Advertise here

هل تهدد أزمة سد النهضة الإثيوبي الإستقرار الإقليمي؟

26 أيار 2021 08:37:11

كتب وليد صافي في "النهار العربي":

لم تصل المفاوضات المتعلقة بسد النهضة بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، لأي نتيجة تضع حداً للخلافات الجوهرية القائمة بين الأطراف الثلاثة، حول ملء السد في المرحلة الثانية وإطلاق تشغيله والضمانات المطلوب تقديمها من إثيوبيا. ويبدو أن المساعي الدبلوماسية التي أطلقها الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى اتفاق بين الاطراف المعنية تدور في حلقة مفرغة، وذلك على خلفية قرار إثيوبيا المضي بملء السد وتشغيله قبل التوصل الى اتفاق مشترك حول القضايا الخلافية.

الموقف الإثيوبي الذي لم يراعِ حقوق الأطراف وهواجسهم، ينطلق من تفسير مضى عليه الزمن يتعلق بسيادة بلد المنبع على النهر الدولي لتبرير قرار ملء السد والبدء بتشغيله قبل الاتفاق مع مصر والسودان، فيما ينطلق موقف هاتين الدولتين من حقوق الدول المتشاطئة التي تنص عليها المبادئ القانونية لادارة المياه المشتركة المتعلقة بالأنهار الدولية، لا سيما الحق بالاتفاقات المشتركة التي تنظم حقوق الانتفاع والملاحة وغيرها. وبالتالي فإن مصر ترى أن اثيوبيا لا تمتلك السيادة على نهر النيل، وعليها الامتثال الى قواعد القانون الدولي باعتبار النيل نهراً دولياً ومياهه مشتركة، علماً أن مصر تبنت منذ البدء باعمال السد عام 2012 سياسة الاحتواء القائمة على المفاوضات من أجل التوصل الى إرضاء جميع الفرقاء وتحقيق الإنماء في وادي النيل.

وعلى خلفية فشل الوساطات الأميركية السابقة في التوصل الى حل مستدام، والتوتر القائم حالياً بين الاطراف، تتحرك من جديد ادارة الرئيس بايدن التي قررت ارسال مبعوثها جيفري فيلتمان الى المنطقة في محاولة التوصل الى اتفاق أو إطار اتفاق، تتحدد فيه المسائل التي لا خلاف عليها والمسائل الخلافية التي يمكن الاتفاق على حلها والمواضيع الخلافية المعقدة التي تحتاج الى مفاوضات ووقت لإيجاد الحلول لها. الإعلان عن هذا التحرك للإدارة الأميركية، لم يخفف من حدة التوتر القائم في ضوء مضي حكومة إثيوبيا في قرارها الذي تعتبره مصر والسودان انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الذي يرعى الانهار الدولية، ويشكل ضرراً فادحاً على حقوقهما المائية المشروعة الأمر الذي يهدد عملية التنمية في وادي النيل.

حدة التوتر القائم تنطلق من الأهمية الاستراتيجية لنهر النيل بالنسبة إلى مصر والسودان، وحيث اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحات حديثة "أن مياه مصر هي خط أحمر، والمساس بها من شأنه ان يهدد استقرار المنطقة". هذا الموقف الحازم من الرئيس المصري يقع في إطار التقييم الذي أجرته مصر لعملية بناء السد وقرارات إثيوبيا الآحادية الجانب والتي اعتبرت تهديداً للامن القومي المصري، الذي يتعرض منذ مدة لتحديات اخرى إن في ليبيا أو في النزاع القائم بين اليونان وتركيا حول المناطق الاقتصادية، وارتباط هذا النزاع بالواقع الجيوسياسي الذي يمثله منتدى شرق المتوسط للغاز الذي تشارك فيه مصر بفعالية بوصفها من الدول التي تمتلك احتياطات مهمة من الغاز.

هذه التحديات تضاف إلى الدور التركي المتنامي في دول شمال أفريقيا خصوصاً في تونس والجزائر، حيث يبدو أن انقرة تتحضر لوراثة الدور الفرنسي التاريخي في تلك المنطقة، الأمر الذي يطرح تحديات على الأمن القومي المصري، لأن الدور التركي في شمال افريقيا يجري على خلفية جيوسياسية لتعزيز دور تركيا ونفذها على حساب الدول الإقليمية الأخرى ومنها مصر. ومن المؤكد أن زيارة السيسي الأخيرة الى فرنسا والتقييم الذي أجراه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تعاون البلدين في ملفات متعلقة بالأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والأزمة الليبية والخلافات مع تركيا في شرق المتوسط، يندرج في إطار هذه التحديات.

التهديد الذي يمثله سد النهضة للأمن القومي المصري يجب قراءته في إطار التحديات الآنفة الذكر، ومن كونه يرتكز على الأهمية التي اخذ يمثلها العامل الاقتصادي في الأنهار الدولية والذي يفوق بكثير البعدين الجغرافي والسياسي، كما ينطلق من الدور الذي تؤديه مياه النيل بالنسبة إلى مستقبل التنمية في وادي النيل في شكل خاص ومصر في شكل عام.

على وقع التحدي هذا المتمثل بأزمة سد النهضة، تنطلق في 26 أيار (مايو) الجاري ولمدة ستة أيام، مناورات "حماة النيل" بين الجيشين المصري والسوداني، وإذا كانت تصريحات مسؤولي البلدين تضع هذه المناورات في سياق طبيعي وانعكاساً لاتفاقات التعاون العسكري، وأهمها بروتوكول العلاقات الاستراتيجية واتفاقية الدفاع المشترك، إنما لا يمكن فصلها عن أزمة سد النهضة التي تتحضر مصر والسودان لمواجهتها من خلال سيناريوات مختلفة في حال اقدمت إثيوبيا على ملء السد وتشغيله قبل اتفاق الضمانات المطلوب. تصريحات وزير خارجية مصر سامح شكري وتصريحات المسؤولين السودانيين، تعبر بوضوح عن وجود سيناريوات للتعامل مع إثيوبيا اذا مضت في قرارها ملء السد قبل الاتفاق المشترك، وبالطبع ستضع السيناريوات هذه مسألة الاستقرار في المنطقة امام تحديات كبيرة.

حجم المناورات التي يستعد لها الجيشان المصري والسوداني والتي تشترك فيها القطع كافة، وحجم ونوعية القوات المصرية المشاركة القادرة على القتال خارج الحدود، تؤكد بحسب المسؤولين المصريين، أن اليد المصرية قادرة على الوصول الى المناطق والاهداف التي تشكل تهديداً للامن القومي المصري. التهديد الذي واجهته مصر في ليبيا يبدو أنه في طريق الاحتواء مع تشكيل حكومة الوفاق الوطني وانطلاق المفاوضات الحذرة بين الجانبين المصري والتركي، أما التهديد الذي طرحه إنشاء سد النهضة وسياسة إثيوبيا المتهورة في ملئه وتشغيله من دون اعطاء الضمانات الكافية، من المؤكد انه سيواجه بسيناريوات مختلفةً، نظراً لطبيعته الجيوسياسية المعقدة المتعلقة بمستقبل التنمية في مصر وخططها من أجل تعزيز الزراعة والحد من الفقر، وفشل الوساطات الدولية والاقليمية في التوصل الى التفاهمات التي تضمن مصالح الاطراف كافة... فهل يفتح سد النهضة حرب المياه على مصراعيها ويتسبب بانهيار الاستقرار في المنطقة؟