التحرّر أقوى

25 أيار 2021 15:30:00 - آخر تحديث: 26 أيار 2021 08:18:59

 لو لم يكن التحرّر أقوى، في نفوس اللبنانيين، لما خرج المحتل، وتراجع إلى المزارع والتلال، بلا شروط، ومن طرفٍ واحد.

 كان المحتل أضعف بكثير من إرادة اللبنانيين في التحرّر. كان التحرّر أقوى في نفوسهم، ولذلك خاب المحتل في لبنان، وتراجع إلى المزارع والتلال، "خاسئاً وهو حسير." 

عظمة اللبنانيين، أنهم كانوا، ولا زالوا، أقوياء في نفوسهم. فلا يقوى على تطويعهم، ولا على إذلالهم، ولا على احتلال بلادهم، غاصب أو محتل.

 هذه هي سيرة اللبنانيين. هذه هي مسيرتهم، مع الحرية والتحرّر والتحرير، منذ كان لبنان كياناً صغيراً، على شكل ممالك، أو على شكل إمارة. أو كياناً كبيراً على شكل جمهورية.

 كثيراً ما أطمع لبنان الجيوش الجرّارة، فما استطاع أن يردّها. ولكنه استطاع أن يفتّها.

 نبعٌ من العسكر يجتاحه من الشرق. نبعٌ من العسكر يجتاحه من الغرب. ولكن لبنان، كان بالوعة الجيوش كلها. يجعل لها بين تضاريسه المانعة، دواراً عظيماً لها، يستطيع أن يخفيها بثوانٍ، عن وجه الأرض.

 جحافل جرّارة، وإمبراطوريات ما غابت عنها الشمس، وكواسر وسباع وذئاب وضوارٍ، طمعت بلين عريكته، وأقامت صدراً من الزمن على أرضه، وأشلته بالدماء في كثير من الأوقات، غير أنّها سرعان ما التفّ عليها لبنان، وخيّب فألها، وجعلها تهشل عنه، راضيةً من الغنيمة بالإياب.
 التحرّر أقوى لدى الأقوياء في نفوسهم. التحرّر أقوى لدى اللبنانيين، لأنّهم أقوياء في نفوسهم.
 هكذا هم منذ أن انغرسوا في هذه  التربة المحروسة بالصخر. ومنذ أن اتّخذوا من صخره قلاعاً. ومنذ أن فجّروا منها أنهاراً: من لبن، ومن عسل. 

 التحرّر أقوى في نفوس اللبنانيين، ولو أنّهم تعرّضوا لأطماع الجبابرة والطغاة. ولو أنّهم تعرّضوا لأطماع أعدائهم. ولو أنّهم كانوا عرضة للمؤامرات. 

عاشوا زمانهم كلّه في الحر والقر، وما انكشفوا أمام العواصف التي تحوطهم، كما تتحوّط الريح الصرصر، صخور القلل.
 كانوا أعندَ من الصخر على المحتلّين والطامعين، لأنهم كانوا أقوياء في نفوسهم، وكانت عقيدة التحرّر في نفوسهم هي الأقوى.

 لبنان، في الخامس والعشرين من أيار، يضوّء لشهدائه القلال. يحمل الشعل إلى الروابي، يلتقط منها أنفاس الأبطال الذين أذابوا إرادة الاحتلال. الذين قهروا المحتلين والغاصبين والطامعين. وأذاقوهم مرّ الكأس، وردّوا لهم الطعنة في النحر.

 في الخامس والعشرين من شهر أيار، يقف لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ليقول للعالم بالفم الملآن: آن الأوان لتكفّوا شروركم. لتوقفوا اعتداءاتكم ومؤامراتكم. لتلجموا أطماعكم. 

 لبنان ليس أرضاً بلا شعب، كما تسوّغون للمستعمرين، بل شوكةً في حلوقهم. لبنان ليس سهلاً على الابتلاع. ليس سهلاً على البلع.

 لبنان يقول لجميع المعتدين عليه، من أهل الشرق ومن أهل الغرب، كفّوا شروركم عني. ارفعوا أيديكم عن مقدرات أبناء شعبي. 

في يوم التحرير، يقول لبنان للعالم القريب والبعيد:  إن إرادة التحرّر والتحرير هي الأقوى، لأن اللبنانيين فقط، أقوياء في نفوسهم.


* أستاذ في الجامعة اللبنانية

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".