فضيحة الوزير المتنحي عن مهامه، شربل وهبة، أعادت إلى ذاكرتي حديثاً دار في وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية في آذار 2019، حينما كنت في عداد وفد طلابي، وسألتُ يومها وزير الخارجية آنذاك، جبران باسيل، عن تفسيرٍ للتباين بين موقف وزارة الخارجية وموقف رئاسة الحكومة من ملف إعادة اللّاجئين السوريين.
وفي حين كان هدف اللقاء من جمعِنا، نحن طلاب العلاقات الدولية، بوزير الخارجية أن يتم تعريفنا على تطبيقات ما يُعطى لنا في كتب العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، فقد كانت المفارقة أنّ وزارة الخارجية اللبنانية تنسف أبسط المفاهيم والقواعد التي تنصّ عليها تلك المراجع العلمية.
هذا ما تأكّد من حديث باسيل وقتذاك. فقد بَرَّر التباين بين موقف رئيس الحكومة سعد الحريري وموقفه هو من إعادة اللاجئين بجملة مفادها: "رئيس الحكومة عم يخبّص". قالها وهو يعتبر أنّ هذه الجملة كفيلة بنظره لتبرير غياب سياسة خارجية واضحة للبنان تُحدّد موقف الدولة من قضية إعادة اللّاجئين، كما من غيرها من القضايا الخارجية.
غياب سياسة خارجية محددة، هو الذي يسمح لوزير الخارجية أن، "يفتح على حسابه"، ويُغرّد خارج السرب دون حسيب أو رقيب. وعليه يصبح مألوفاً أن نشهد سيناريو يقول فيه رئيس الحكومة شيئاً في المحافل الدولية، ووزير الخارجية يقول النقيض!
يشكّل هذا الأمر، الذي لايزال قائماً حتى الساعة، سابقةً خطيرة في تاريخ السياسة الخارجية، إذ لا عناوين عريضة للسياسة الخارجية اللبنانية، ولا خطة ولا رؤية أو هدف، بل غياب تام لسياسة خارجية واضحة ومفهومة من القريب قبل البعيد، وإصرار مريب من الذين تعاقبوا على هذه الوزارة منذ عام 2014 على العمل "بالمفَرَّق" كي يتسنّى لرأس السياسة الخارجية أن يجتمع بمن يشاء ويقول ويفعل ما يريد.
السياسة الخارجية التي يعبّر عنها وزير الخارجية بحسب الأصول، توضع من قِبل السلطة التنفيذية. وهذا الأمر لا يناسب الجهة التي استلمت الخارجية في السنوات الأخيرة، لأنّ جلَّ ما تريده من هذه الحقيبة، التسويق لسياساتها الخاصة، وهذا ما وصل بنا الأمر إليه.
"سقطة" الوزير وهبة التي كادت أن تودي بالعلاقات اللبنانية- الخليجية، تؤكد صوابية مناقشة واقع السياسة الخارجية المفقودة، والتي لو وُجِدت لكانت ربما وضعت حداً "لنتعات" وهبة الجياشة التي وصلت حدّ إطلاق الإهانات يميناً ويساراً.
مشكلة وهبة، الذي أتى وزيراً في غفلة من الزمن، أنّه راح "فرق عملة" بين ما يُقال له في السر، وما يجب أن يقوله في العلن. وهذا الأمر ليس إلّا نتيجة حتمية لنهج "هات إيدك ولحقني" المتّبع في كل أداء السلطة.