Advertise here

صواريخ حماس وانتفاضة الـ 48 تربك نتنياهو وقادة إسرائيل

20 أيار 2021 13:15:57

استنفدت الحرب الإسرائيلية على غزة قدراتها، وباتت تبحث عن مخارج لوقف النار تحفظ ماء وجه الطرفين، حيث عجزت إسرائيل عن تدمير القوة الصاروخية لحماس، أو تعطيلها، رغم القدرة التدميرية الهائلة والممنهجة التي اعتمدتها في عدوانها على القطاع.

وعلى الرغم من فشل مجلس الأمن الدولي بإصدار بيان دولي يطالب إسرائيل بوقف عدوانها على غزة، فإن الإدارة الأميركية أبلغت الحكومة الإسرائيلية خلال محادثات مغلقة، بأنهم يريدون إنهاء العدوان على غزة في الأيام القريبة المقبلة، وأن الأوروبيين بدأوا يعربون عن القلق الشديد من خطر تدهور الوضع إلى مزيد من الوحل.

وبحسب خبراء عسكريين في تل أبيب فإن، "هذه المعركة باتت غارقة عميقاً في الوحل، ولم يعد هناك مجال لتغيير نتيجة الحرب، وأنه على إسرائيل أن تكون سعيدة بإنهاء القتال لأن العمليات العسكرية حققت معظم ما سعت إلى تحقيقه". 

ولكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى إلى إنهاء القتال بمكسب واضح، لأنه يخشى من أن تنقلب الأمور عليه في الساحة الحزبية. فهو، بعد أن نجح في عرقلة جهود تشكيل حكومة بديلة، وباشر العمل حثيثاً لكي يتمكن من تشكيل حكومة برئاسته، يخشى من احتمال توجيه انتقادات له على إدارة الحرب تؤدي إلى انقلاب في الرأي العام ضده.

ومن الواضح أنّ الأزمة المركبة على المستوى الشخصي لنتنياهو ببعدٍ مرتبط بمكانته السياسية، ورؤيته لنفسه على أنه يشبه ملوك إسرائيل المؤسّسين، وسعيه الحثيث للبقاء في السلطة، ليس هرباً من وقوفه أمام المحكمة الإسرائيلية التي قد تسجنه بين 5 وسبع سنوات فحسب، إنما سعيه للبقاء في السلطة، باعتباره الممثل الشرس للمعسكر اليميني في المجتمع الإسرائيلي، وهو الذي قاد بشكل منهجي ودقيق الممارسات الاستفزازية ضد الفلسطينيين خلال شهر رمضان المبارك في المسجد الأقصى بالتزامن مع أزمة تشكيل الحكومة، حيث أدّت تلك الممارسات إلى الانفجار الشامل عندما سُحبت منه تلك الورقة.

في المعركة الأولى، وحيث محاولة السيطرة على ساحة باب العامود، ومنع الشبان الفلسطينيين من ممارسة اعتراضهم على السياسات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى، خسرت إسرائيل الموقف، وتمت إدانتها على المستوى الدولي. وفي المعركة الأكثر أهمية والمتعلقة بتهويد حي الشيخ جرّاح، خسرت المعركة أيضاً على المستوى الدولي، واضطرت وبنفس الغطاء القانوني الذي سمح للمستوطنين والمتطرفين اليهود بمهاجمة حي الشيخ جراح، إلى تأجيل الأمر والتراجع.

أمام هذا المنعطف الذي استخدم فيه الفلسطينيون قوتهم الذاتية المدنية والسياسية ومقاومتهم السلمية، ونجحوا في استقطاب التضامن والتأييد الدولي، ومن الإدارة الأميركية نفسها، أيقن نتنياهو خسارته، وبدأ باستفزاز قطاع غزة من خلال الاغتيالات، والرد على الصواريخ التي لم يكن يرد عليها في السابق، واستطاع أن يحوّل المشهد من صراع مع الشعب الفلسطيني وحركته الجماهيرية المدافعة عن حقوقها، ومصيرها، وحقها في الأرض والكرامة، سواء داخل إسرائيل أو في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، إلى صراع بين إسرائيل وحركة حماس، وبالتالي نجح في قلب الطاولة بالطريقة التي يريدها وفي اللحظة التي يريدها.

قادة حماس الذين انخرطوا في المواجهة لديهم الوعي السياسي للسلوك الإسرائيلي وسلوك نتنياهو بالتحديد، وهم يعرفون إلى أي مدى يستطيع نتنياهو قلب الطاولة والإفراط في استخدام القوة التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي بأسلحته المدمرة، وقد اختبروا ذلك خلال الحروب السابقة وآخرها عام 2014، وعلى الرغم من ذلك فإنهم تصدروا واجهة الصراع بشكل مباشر، ودخلوا في مواجهة مفتوحة مع قوات الاحتلال تحت شعار الدفاع عن القدس، ورفع الحصار عن المسجد الأقصى.


يعتقد بعض الخبراء بالشأن الفلسطيني أنّ تقدّم حركة حماس واجهة الصراع المباشر مع العدوان الإسرائيلي مردّه إلى عدد من العوامل الداخلية، أبرزها وصولها إلى طريق مسدود في حكمها لقطاع غزة، والذي بلغ مستوى من الجوع والبطالة لم يصل إليه في تاريخه الطويل، إضافة إلى قلقها من صراع الأجنحة بين المتشددين والمعتدلين في صفوفها، بين من يريد الالتصاق بمحور إيران – تركيا – قطر، ومن يريد الانفكاك عن تنظيم الإخوان المسلمين وسياسة المحاور، والشروع في المصالحة مع السلطة الفلسطينية. وتفاعل هاتين الأزمتين دفع الحركة للدخول في المعركة بكامل قوتها بغية أن تصبح القوة الرئيسية في الشعب الفلسطيني، والتي ينبغي التفاوض معها على مستقبله، حيث كانت الحركة شديدة الولع بأن تُبرز شعاراتها وصور قاداتها داخل المسجد الأقصى على حساب العلم الوطني الفلسطيني، وهي تهدف بذلك وفق الخبير الفلسطيني، "أن توظف الجهد الشعبي والالتحام الجماهيري بين فلسطينيّي الداخل المحتل (48) مع أهل القدس، لتقول إنها القوة القائدة المسيرة والمتحكمة بالمصير الفلسطيني، خاصة وأنها لمست بشكل دقيق مستوى الضعف الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية في رام الله بعد تأجيلها الانتخابات التشريعية".

كما أن حركة حماس ليست بعيدة عمّا يجري في فيينا من مفاوضات أميركية – إيرانية عبر مجموعة الدول (4+1)، وليست بعيدة عن حسابات استثمار إيران السياسي واستفادتها على المستوى الإقليمي من هذا الصراع الذي جاء ليخدم اتجاهاتها التصعيدية في اليمن من أجل احتلال محافظة مأرب، والتشدّد في إمساكها الحالتين العراقية واللبنانية إلى أن تحصل على مرادها من واشنطن. فإذا كانت المعركة قد بدأت باستدراج إسرائيلي ورد فعل من حركة حماس، إلاّ أنها جاءت في الوقت الذي تريده طهران، وبالأسلوب الذي تريده طهران للاستثمار به على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وعلى حساب الحالة الفلسطينية التي أصبحت منهكة إلى حد كبير. وسنرى كيف سيخرج قرار وقف الحرب التي بات قرار توقفها بيد نتنياهو وبموافقة أميركية، بعد تعطيلها لبيانات مجلس الأمن، وعجز مصر عن انتزاع هدنة إنسانية مؤقتة.

المفاجأة الوحيدة الوازنة التي ستجبر نتنياهو على إنهاء هذه المعركة، هي الحراك الشعبي في المدن الفلسطينية التي أصبحت بفعل الاستيطان الإسرائيلي مدناً مختلطة، ما عكس قضية لها علاقة بالسلوك الإسرائيلي في التعامل مع فلسطينيّي مناطق 48، وطريقة تهميشهم بعد أن ارتفعت نسبة البطالة في صفوفهم، وترك عصابات الجريمة تنتشر بين أحيائهم، وترك الموبقات تتفاقم والتي كان العرب يطالبون الشرطة الإسرائيلية بمكافحتها، لا سيّما الجريمة المنظمة.

هذا العنوان كان موضع تحرك شعبي، وأحد العناوين الرئيسية في الانتخابات السابقة، وسوف يبقى ويتفاقم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، حيث أربكت مفاجأة الاشتباك والرد على المستوطنين المسلحين والمتطرفين اليهود بالطريقة نفسها المسلحة، الحالة الداخلية الإسرائيلية، فضلاً عن ارتباكها في موضوع الصواريخ المطلقة من غزة والمتفلتة من القبة الحديدية على المدن الإسرائيلية الكبرى والمرافق الأساسية. نقاط الضعف تلك التي ظهرت في الموقف الإسرائيلي، والتي أصبحت وازنة إلى الحد الذي سيُجبر نتنياهو على إعادة النظر في حسابات سياسته الداخلية والخارجية حتى لا يدخل في نفق الحرب الأهلية التي بدأ يتخوف منها الإسرائيليون أنفسهم.