بالتأكيد تملّك الندم من وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبة بسبب موقفه الخارج عن كل الأصول تجاه دول الخليج. والمؤكد أكثر أن موقف وهبة أسدى خدمة كبيرة لمن يتربص سوءا بعلاقات لبنان بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج. وهبة تنحى، بينما السعودية تبقى على العلاقة الممتازة مع لبنان واللبنانيين، ووفود لبنانية تتقاطر إلى مقر السفير السعودي في اليزرة تضامناً وتعبيراً عن الإستنكار.
جهات سياسية وإجتماعية وإقتصادية مختلفة تتوجه إلى اليزرة لإعلان التضامن، والإشارة إلى حجم ومدى الحرص اللبناني على العلاقة مع السعودية وعلى العروبة والإلتزام بها. ولعل ما حصل يشكل فرصة لإعادة إثبات وجهة لبنان العربية بدلاً من كل الكلام عن صيغ وتحالفات أقلوية أو مشرقية.
رسالة الإحتجاج السعودية التي سلمت إلى السفير اللبناني في الرياض أبرزت التعبير على الحرص السعودي على العلاقة مع لبنان والإلتزام بالقواعد الديبلوماسية وعدم المسارعة إلى اتخاذ إجراءات عقابية، وهو موقف اتّخذ بكبر وحسن نية، فليس أمام لبنان سوى مقابلته بموقف مشابه كما حصل بتنحي وزير الخارجية عن ممارسة مهامه. وهذه كانت من بين الأفكار التي طرحت بالأمس في دوائر القصر الجمهوري حيث حصل انقسام بين المقربين من رئيس الجمهورية حول كيفية معالجة هذه الأزمة. بعضهم كان مع قرار التنحي والإعتذار، والبعض الاخر فضل الإعتذار بدون التنحي مصراً على استخدام لعبة الوقت والتفاوض.
المشكلة بالتأكيد أعمق وأعقد من معالجتها عبر القنوات الديبلوماسية والقفز فوق الخلفيات التي دفعت وهبة إلى اتخاذ مثل هذا الموقف والذي ينم عن نظرية تنميطية وتفوقية على الآخرين، وربما هي مستوحاة من فكرة "الـ lebanity" التي استخدمها جبران باسيل قبل سنوات منطلقاً من فكرة تفوق اللبناني على الآخرين، وهذه بالتحديد عبارة عن فكرة مريضة لا تؤدي إلا الى المزيد من الكوارث السياسية والإجتماعية والثقافية وتعيد إحياء منطق الشوفينية. وهنا هي المشكلة بالتحديد مع هذه النمطية التي أدت إلى تدمير كل مميزات لبنان ومرتكزاته.