Advertise here

الاستيطان وعدالة الغربان

16 أيار 2021 09:43:05 - آخر تحديث: 16 أيار 2021 09:43:27

تحوم الغربان السوداء حول حي الشيخ الجراح بالقرب من باب العامود في القدس الشريف، حاملة بقايا جيف قديمة يعتقدها بعضهم صكوك تمليك قديمة، ويمكنهم من خلال هذه الصكوك الواهية أن يقتربوا أكثر فأكثر من جدران الحرم، بينما سكان الحي وأهل فلسطين يعرفون أن وراء ذلك محاولة مُتجددة للاستيلاء على الأرض.

المستوطنون المتطرفون، ومعهم ما يسمى لجنة طائفة السفرديم يحاولون منذ 50 عاماً، التهويل على سكان حي الجراح لترك منازلهم التي سكنوها بموجب مستندات شرعية من وزارة التعمير والإنشاء الفلسطينية قبل 70 عاماً، بعد أن هُجِّر معظمهم من منازلهم في مدينة يافا، إبان النكبة عام 1948، ويسكن في منازلهم هناك حتى اليوم مستوطنون قادمون من خارج البلاد من دون وجه حق. والعائلات الفلسطينية ال28 أصحاب منازل حي الجراح، حصلوا في ما بعد احتلال القدس عام 1967 على أوراق ثبوتية بحقهم في السكن من وزارة الأوقاف الأردنية التي تولَّت الإشراف على أوقاف المدينة، وحالت الظروف دون تسجيل هذه المستندات في الدوائر العقارية للأسباب المعروفة التي تُعرقل للفلسطينيين القيام بمثل هذه الأعمال الثبوتية، لأنها تأكيدات إضافية لعربية الأرض وتوضيح مالكيها الأصليين.

ومنذ عام 1972 تحاول العصابات المتطرفة، وبشتى السُبل، الاستيلاء على منازل حي الجراح، وقد أقامت دعاوى بمستندات مزورة، تقول إن أرض الحي ملك لطائفة السفرديم منذ عام 1885، وقد نجح محامو تلك الطائفة في إقناع سكان الحي بتنظيم محاضر استئجار للمنازل إلى أجل غير محدد. والتهويل الذي مارسته سلطات إسرائيل، والتهديد الذي قامت به العصابات المتطرفة، دفعا بالسكان لتوقيع عقود الإيجار، على اعتبار أنها أبدية، وتعطي لهم الاستقرار، من دون أن تكون لديهم أي خشية من مواجهة إجراءات العدالة الواهية للمحكمة العليا في إسرائيل، كما أكد لهم المحامون، والمحكمة المنحازة استندت على عقود الإيجار الشكلية لتثبيت ملكية السفرديم لأرض الحي، وهو احتيال قانوني تعوّدت عليه سلطات الاحتلال كبديل عن المصادرة التي تُثير ضجة في أوساط الرأي العام العالمي كما تدّعي هذه السلطات.

من المؤكد أن المحكمة العليا في إسرائيل تعرف أن الأرض هي ملك للفلسطينيين، ودوافع قرارها بإخلاء منازل حي الجراح يستند إلى خلفيات سياسية واضحة، وهي أوقفت إجراءات تنفيذ المصادرة من دون أن تُلغي الحكم، وذلك جراء الانتفاضة العارمة التي قام بها الفلسطينيون في مواجهة المستوطنين وقوات الأمن التي حاولت طرد السكان العرب من منازلهم.

ما حصل ليلة القدر في 8 مايو/أيار2021 كان حدثاً في غاية الخطورة، وعدوانية قوات الاحتلال في باحات المسجد الأقصى كان عملاً ذكّر بارتكابات وحشية سابقة، لكنه استنهض الهمم الفلسطينية لمواجهته. فما يقارب 100 ألف فلسطيني اندفعوا للصلاة، بينما الآلاف من جنود الاحتلال المدججين بالسلاح أقاموا الحواجز والعوائق لمنع المصلين من الوصول إلى ساحات المسجد؛ لأنهم يعرفون أن القادمين للصلاة يحملون رسالة تأكيد وإصرار على هوية الأرض العربية، ويرفضون المساس بملكية منازل حي الشيخ الجراح، إضافة إلى دافعهم الإيماني بالسجود في ليلة القدر على صخرة الإسراء والمعراج المقدسة.

وقد لجأت سلطات الاحتلال إلى منع المسيحيين أيضاً من التقديس في ليلة سبت النور، وهو ما يتنافى مع المواثيق الدولية التي تفرض على قوات الاحتلال حماية المدنيين وحقهم في إقامة شعائرهم الدينية، مثل الحفاظ على ممتلكاتهم وعلى الأماكن التاريخية المقدسة.

المقدسيون رفضوا جنوح الاحتلال وتصدوا للتعسف الإسرائيلي، وأصرّوا على المواجهة، وأفشلوا خطط الجماعات المتطرفة الحاقدة. وممارسات الشرطة القمعية لم تُثنِ عزائمهم في الإصرار على التحدي.

ومن الواضح أن المقدسات وقضية فلسطين وحقوق أهلها غير خاضعة لتقادم الزمن؛ بل على العكس من ذلك، فإن إرادة الفلسطينيين تزداد صلابة مع الزمن. والمواجهات التي حصلت وستحصل مُهيئة لتتفاقم إلى حدود لا يمكن التكهّن بنتائجها.

مجلس الأمن الدولي مطالب بالتوصل إلى قرار يدين الممارسات الإسرائيلية، ويضع حداً للتمادي في مصادرة الأرض، والاعتراضات التي واجهت وصول المجلس إلى اتفاق فاقمت من الامتعاض العربي والإسلامي، كما أن استمرار الاحتلال في ممارسته التعسفية، وفي تجاهله للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سيرتد سلباً على مساعي التسوية.