Advertise here

نجاح مفاوضات فيينا ستضع طهران أمام منعطف سياسي جديد

13 أيار 2021 11:23:19

دخلت المفاوضات الأميركية – الإيرانية في فيينا، بواسطة مجموعة 4+1 (الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)، حول الاتفاق النووي الإيراني، مرحلةً جديدة يقول عنها البعض بأنها معقدة، فيما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنّها تحرز نجاحاً إيرانياً وسقوطاً يومياً للعقوبات المفروضة على بلاده. 

وفيما غابت مفاوضات فيينا عن كلمة المرشد الأعلى علي خامنئي بمناسبة يوم القدس، ولم يتناول في أي تصريح أو موقف له ما سُرّب من مقابلة وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، التي تناولت سلباً قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، والعلاقة مع روسيا، كشفت مصادر متابعة للمفاوضات أن الخبراء المنكَبّين على صياغة تفاصيل الاتفاق أنهم وضعوا آلية تدريجية تتضمن صياغة النقاط المتفق عليها وصولاً إلى الملفات الخلافية. وإذا ما جرى الاتفاق على الملفات كافة تنتهي المفاوضات وتعود إلى نقطة الصفر، أي الاتفاق على سلة متكاملة قبل الشروع في التنفيذ.

 وأشارت المصادر إلى أنّ لدى الطرفين الأميركي والإيراني سعيٌ جدي ذو صلة بإنجاز الاتفاق قبل الانتخابات الإيرانية.
أهمية هذه الآلية، من الناحية السياسية، أنها تعطي الفريق الإصلاحي في طهران (روحاني - ظريف) رخصةً مفتوحة من المرشد، لإنجاز الاتفاق والدخول بالمفاوضات إلى أقصى مدى قبل الانتخابات. وبالتالي إذا كانت محصلة النتائج جيدة يتم اتخاذ قرار التوقيع من عدمه. ولهذه المسألة بعداً داخلياً يرتبط بتوازن القوى، وترجيح كفة على أخرى بين الإصلاحيين والمتشدّدين، بحيث يستثمر خامنئي النتائج لصالح مَن يدعم من للرئاسة، ومعظمهم من جنرالات الحرس الثوري المقرّبين من المرشد وهُم خمسة. وتجري مشاورات للاتفاق على اسم واحدٍ من بينهم، فيما لم تعلن بعد أسماء المرشحين من الفريق الإصلاحي، حيث تشير بعض الأوساط إلى احتمال أن يكونوا ثلاثة، ومن بينهم وزير الخارجية، محمد جواد ظريف.

الحاجة الإيرانية الملحّة لرفع العقوبات، تدفع الخامنئي لإعطاء فريق ظريف – روحاني رخصةً قوية للدخول في المفاوضات حتى النقطة الأخيرة  لاكتشاف ما يمكن الحصول عليه من أميركا وأوروبا الغربية قبل أن يسمح بالتوقيع على الاتفاق. وبالتالي، فإن ما يشاع من أجواء تقدّم في المفاوضات لا يعني أنّ الطرفين سيوقّعان، لا سيّما وأن  قرار طهران يرتبط بموقف خامنئي.

في المقلب الآخر، وبعيداً عن الانتخابات الإيرانية، ومنذ اللحظة التي أعلنت فيها إدارة بايدن الشروع في المفاوضات مع إيران، فُتحت أبواب الصراع مع بكين وموسكو، وفي أقل من ثلاثة أشهر وضعت حداً للنقاش حول آلية المواجهة، فنجحت في عزل الاتجاهات المتطرفة في أوروبا، والتي تطالب بقطع العلاقات مع روسيا، وضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي سريعاً (الناتو)، مقابل السياسة الأخرى التي تقودها واشنطن وتنضم إليها بريطانيا وألمانيا، وتقوم على مبدأ احتواء روسيا، وتوجيه الرسائل الإيجابية لها، وإعطائها الفرص للتراجع عن تهديداتها العسكرية لأوكرانيا، وبالتالي منعها من إقامة حلفٍ رسمي عسكري- أمني- اقتصادي مع بكين لرفع مستوى التحدي، فيما السياسة الأميركية تتجه نحو إبعاد موسكو عن بكين، وإبعاد طهران عن موسكو وعن بكين.

يرسو الملف الأميركي – الصيني على فكرة الصراع التفاوضي، وأن الخلاف لا يمكن حلّه إلّا من خلال إعادة ضبط العلاقات بينهما، ولجم الاندفاعات الصينية بأشكالٍ مختلفة، والحؤول دون الوصول إلى حربٍ باردةٍ جديدة لا تريدها واشنطن للحفاظ على موقعها المتقدم في قيادة العالم. وعلى هذا الأساس اعتمدت إدارة بايدن تصميم تكتيكات ذات طابع احتوائي، لضبط الملفات وإعادة تنظيمها، فنجحت في إعادة تسيير حلف شمال الأطلسي (الناتو) بطرقٍ أفضل من السابق، كما توصلت إلى تفاهمات شاملة حول معظم الملفات الرئيسية التي تريدها مع مجموعة الـ G7 التي انعقدت في لندن، والحفاظ على سقف المصالح المشتركة للمجموعة المتحكّمة في 90% من الاقتصاد العالمي، لا سيّما بعد خروج روسيا منها.

التوجهات الأميركية تجاه موسكو وبكين وطهران، وإعادة البناء مع الأمم المتحدة، ومجموعة السبع، والاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، فرضت على جميع العواصم المرتبطة سياساتها بهذه الملفات إعادة رسم سياساتها، والبحث في كيفية توجيه أشرعتها بما يتوافق والرياح الأميركية الجديدة، وتجنّب المتاعب والأثمان الباهظة في المجالات كافة. فالإدارة الأميركية ليس لديها المخاطر التي تردعها عن إنزال العقوبات بحق أي فريق حليفاً كان، أم صديقاً، أم عدواً.

يجزم العديد من الخبراء أن إدارة الرئيس بايدن تريد العودة إلى الاتفاق النووي الموقّع بين طهران ومجموعة (5+1) في حزيران 2015، مع بعض التعديلات المرتبطة بالقوة الصاروخية الإيرانية بما يضمن أمن إسرائيل أولاً، وتغيير السلوك الاستراتيجي للسياسات الإيرانية ثانياً. وهذا التغيير لا يرتبط البتة بالدور الإيراني الإقليمي الذي تلعبه طهران منذ عام 2005 في العراق وسوريا واليمن ولبنان، بل يرتبط بدور وموقع إيران الآسيوي وعلاقتها بموسكو من جهة وبكين من جهة أخرى، حيث وقّعت طهران وبكين اتفاقية تعاونٍ استراتيجية. وفي هذا السياق يرى بعض الخبراء أنّه أمام إيران فترة زمنية محددة لا تتجاوز الأسبوع الأول من حزيران لتحديد خياراتها، وهذا ما يبرّر صمت المرشد عن تسريبات ظريف، والتي يعتبرها البعض بمثابة رسالة إيجابية من طهران إلى واشنطن، والتي قرأتها بعناية تامة، وأشكال الرد عليها ستتضح في القادم من الأيام مع انتهاء عمل لجنة الصياغة، وموقف المرشد النهائي، ومنها سيتحدد في نتائج الانتخابات الرئاسية، إمّا بوصول ظريف إلى الرئاسة، أو خروجه من المنظومة السياسية.