Advertise here

اللبنانيّون لا يدفعون للدولة... فإلى متى تصمد خزينتها؟

09 أيار 2021 07:46:11

تشير أرقام وزارة المال الصادرة أخيراً إلى تراجع في حجم الإيرادات على أكثر من صعيد، سواء لجهة تراجع حجم الضرائب التي يسددها المواطنون والشركات أو لجهة الرسوم الجمركية، مع تراجع الاستيراد بعد انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية.

 

ويحجم كثيرون عن تسديد الضرائب والمستحقات، إما لعدم قدرتهم على ذلك نتيجة فقدانهم وظائفهم وأحوالهم الاقتصادية والمعيشية الصعبة وإما بقرار منهم للتعبير عن حالة اعتراضية تنامت منذ انتفاضة تشرين الأول 2019. 

 

وتقول السي نادر (37 عاما) لـ«الشرق الأوسط» إنها قررت عدم دفع الرسوم والضرائب منذ نحو عامين، خصوصاً ضريبة الدخل ورسوم الميكانيك ورسوم البلدية وغيرها، «إلا أنني أسدد فواتير الكهرباء والاتصالات والإنترنت، لأنه في حال العكس فهم يقطعون هذه الخدمات». وتشير «نادر» إلى أنها لا تخشى أي تداعيات قانونية نتيجة قرارها، «خصوصا أنني متمسكة به من قناعتي بأن الدولة وضعت يدها على جنى عمرنا في المصارف وغيرها من خلال سياساتها المالية التي أدت لانهيار الليرة، وبالتالي فأقل الإيمان أن نتوقف عن مدها بمزيد من الإيرادات لتسطو عليها في غياب أي خدمات».

 

وتشير الناشطة في حملة «مش دافعين» زينة حلو، وهي حملة انطلقت عام 2019، إلى أنه عند انطلاقتها «شهدت تجاوباً كبيراً، تراجع مع مرور الوقت، خصوصاً بعد إجراءات البنك المركزي باستمرار السماح بدفع الديون بالدولار باللبناني على سعر الصرف الرسمي أي 1515 ليرة، وبعدما سمحت المصارف للمودعين بسحب جزء من أموالهم على سعر صرف 3900 ليرة». 
وتشير حلو، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الحملة قدمت مشورة قانونية لأكثر من 200 مقترض وضعوا على تواصل مباشر مع عدد من المحامين، إضافة إلى آلاف الاستشارات عبر الصفحة الرسمية للحملة، موضحة أن القيمين عليها أعدوا رزمة قوانين لحماية المقترضين، تقدمت بها النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان، لكنها بقيت في الأدراج.

 

وتهدف حملة «مش دافعين» إلى حماية مَن لا يستطيع تسديد القروض المصرفية المتوجبة بسبب الظروف الراهنة، وذلك من خلال التضامن الشعبي مع الفئات المتضررة ومنع استفراد السلطة بالفئات الأكثر تأثراً بالأزمة المالية. وتسعى الحملة لجعل الامتناع عن الدفع مرحلياً حالة عامة، مما يصعب على السلطات المختصة من قضاء وأجهزة أمنية، اتخاذ تدابير قانونية للتحصيل.

 

ووفق أرقام وزارة المال التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فقد تراجعت إيرادات الدولة بين العامين تشرين الأول 2019 وتشرين الأول 2020 نحو 20.74 في المئة. ويعتبر الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان أنه «من الطبيعي أن تتراجع إيرادات الدولة بشكل كبير في حالة الركود الاقتصادي، فكيف الحال عندما تكون الدولة على شفير الانفجار المالي والنقدي»، موضحاً أن «التراجع الأساسي يعود إلى انكماش العجلة الاقتصادية وتباطئها، حيث انخفض الناتج المحلي بنسبة 25 في المئة، ما يعني تراجع نوعين من الرسوم والضرائب: ضرائب الأرباح التي تتكبدها شركات القطاع الخاص وقد أقفلت نسبة كبيرة منها جراء الركود الاقتصادي، وضرائب الدخل التي يدفعها الموظفون، وهؤلاء تعرض الكثير منهم للتسريح جراء إقفال الشركات. وهذا ما أدى حكماً إلى تراجع إيرادات الدولة التي تعتمد بشكل كبير على الضرائب، وهذه تراجعت بأكثر من 25 في المئة بين العامين 2019 و2020».

 

ويشير أبو سليمان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «حالة الفوضى الحاصلة تؤدي حكماً إلى عدم امتثال الناس إلى دفع الضرائب والرسوم كنوع من الاعتراض الاجتماعي والنفسي على التدهور الحاصل. فضلاً عن أن الدولة قوننت هذا الأمر من خلال قانون تعليق المهل الذي يتيح تأجيل دفع الرسوم والضرائب، ما أدى بالنتيجة إلى انخفاض مدخولها الذي تراجعت قيمته نتيجة انخفاض قيمة العملة الوطنية، على اعتبار أن الرسوم تدفع بالليرة اللبنانية، وهذا ما تجلى في قطاع الاتصالات الذي يعد من أهم موارد الخزينة العامة، حيث تراجع هذا المدخول أكثر من 34 في المئة بين العامين 2019 و2020، لكون الفواتير بالعملة الوطنية، فيما جزء من نفقات الدولة على هذا القطاع بالدولار لدفع كلفة العقود الموقعة مع الشركات الأجنبية». 
ويضيف: «يمكن القول إن أبرز الرسوم التي تراجعت هي الرسوم الجمركية نظراً لتراجع حركة الاستيراد واقتصارها على المواد الغذائية، حيث تراجعت بأكثر من 33 في المئة بين العامين 2019 و2020، والضرائب على الأرباح وضريبة الدخل، كما الضريبة على القيمة المضافة التي باتت تقتصر على المواد الغذائية نتيجة تباطؤ الحركة الاقتصادية، فتراجعت بنسبة 48 في المئة بين العامين 2019 و2020».

 

وتشير أرقام وزارة المال إلى أن الرسوم العقارية وحدها حققت ارتفاعاً نتيجة عمليات البيع والشراء الناشطة بسبب السعي لتهريب الرساميل من المصارف نحو القطاع العقاري، حيث شهدت الرسوم في هذا المجال ارتفاعاً بأكثر من 97 في المئة بين العامين 2019 و2020.

 

ويؤكد رئيس بلدية عاريا الواقعة في جبل لبنان بيار بجاني «تعثر وتراجع إيرادات بلديته بشكل كبير سواء لناحية القيم التأجيرية أو لناحية ضرائب اللوحات الإعلانية التي لا تسدد منذ عامين». 
ويشير بجاني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «وإن كانت قيمة الضرائب بالنسبة للتضخم المالي الحاصل باتت زهيدة، ما يجعل من السهل للميسورين تسديدها، فإن هذه الطبقة تبقى محدودة، ونحن لا نسمح لأنفسنا في هذه المرحلة بأن نطلب من المواطنين تسديد مستحقاتهم، وإن كان من الصعب علينا كبلديات أن نستمر من دون إيرادات».