Advertise here

نحو كيان كردي في سورية؟

25 آذار 2019 06:00:00 - آخر تحديث: 26 آذار 2019 22:49:29

مع مطلع شمس هذا الربيع يتخيل المواطن العربي – السوري – الفلسطيني – اللبناني نفسه واقفاً على أعلى تلة فوق هضبة الجولان، وهو يدور على الجهات الاربع، ناظراً بالعين المجردة، إلى تلك الربوع المنبسطة أمامه، والمزدهرة بألوان الأخضر، والازرق، والابيض، والاحمر، والاصفر، والبنفسجي، والوردي... ويتساءل: هل في دنيا الله الواسعة ما هو أجمل؟.

ثم يتطلع نحو الزاوية الغربية – الجنوبية فيرى على مدى النظر: هناك حيفا ويافا، وتتراءى له الشواطئ والبيارات المزدهرة بعطر الليمون يفوح في الحارات القديمة، حافظة التاريخ، وشاهدة على الاساطيل التي عبرت الى المحيطات والقارات.

ثم تتراءى لذلك المواطن العربي القدس، "زهرة المدائن" شاهقة بقباب أجراس كنائسها ومآذن مساجدها، وحولها الاحياء القديمة العامرة بعراقتها وبركاتها مدى الدهور.

ثم، في لحظة صحوة يجد ذلك المواطن العربي – الفلسطيني – السوري – اللبناني نفسه امام عالم آخر امام خريطة جديدة لبلاده، وكيانه، وتاريخه، ولماضيه، وحاضره، ومستقبله، فلا فلسطين، ولا قدس، ولا الجولان، فقد ذهبت تلك الجغرافيا، ومعها التاريخ بشحطة قلم خطها رئيس أميركي طارئ على مطلع القرن الواحد والعشرين، اسمه دونالد ترامب.

حدث ذلك في خضم حرب بدأت بمحضر ضبط بحق بائع خضار تونسي انتفض لحقه بلقمة العيش فانتحر، واشعل تلك الثورة التي بلغت عامها التاسع، وقد ذهبت بثلاثة رؤساء جمهوريات عرب، وبمئات آلاف الشهداء والضحايا والمعوقين، وملايين النازحين المنتشرين في مختلف أنحاء الدول والقارات.

هذه الفقرة تتكرر بين فترة زمنية واخرى، عبر الصحافة ووسائل الاعلام للتذكير بانها كانت مؤامرة لم تتوقف فصولها ومراحلها بعد، لكن علامات نهاياتها بدأت تظهر مع بواكير مشروع رئاسة الجمهوري دونالد ترامب الذي "وهب" اسرائيل كل فلسطين، وفوقها الجولان السوري، ومن يدري ماذا سيكون نصيب لبنان.

حتى الامس، لم تظهر علامات على ردة الفعل في العالم العربي، باستثناء بيان صدر عن مجلس التعاون الخليجي باسم امينه العام عبد اللطيف بن راشد الزياني الذي اعرب عن الاسف بتصريحات الرئيس الاميركي حول "ضرورة الاعتراف بسيادة اسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة". أما في دمشق فقد نُسب الى "مصدر مسؤول" في وزارة الخارجية "ان الموقف الاميركي تجاه الجولان السوري المحتل يعبر، وبكل وضوح، عن ازدراء الولايات المتحدة للشرعية الدولية وانتهاكها الساخر لقراراتها".

هذا جواب وزير دولة تدعي منذ نشوئها قبل نحو خمسين سنة أنها وُجدت وتكونت لرفع الشعب السوري الى مكانه دول العصر الحديث، وان هدفها الاول وواجبها الوطني والقومي الانخراط في معركة تحرير فلسطين من رجس الصهيونية.

لكن أجيالاً سورية توالدت ونشأت على استراتيجية نسج الاوهام للحفاظ على استمرارية النظام الذي تلاشى بعد ثماني سنوات من الحرب على شعبه وعلى هويته، وتاريخه في النضال الوطني والقومي العربي.

وفي الامس (امس الاول) أعلنت جبهة "قوات سورية الديموقراطية" في الحرب الدائرة منذ ثمان سنوات انتصارها على تنظيم "داعش" الذي كان أخطر مجموعات العصابات المسلحة التي تقاطرت على سورية، وشرعت أبوابها في كل الاتجاهات، فاستقطعت مناطق، وأملاكاً، وثروات نفطية وزراعية سخرتها لعائلاتها التي استجلبتها من مختلف اقطار العالم، فاجتازت حدود الدول المجاورة بعديدها المدني والعسكري، من دون سؤال ولا استفسار: من أين، ولاي سبب أو غاية.

وليس بعيداً من حدود "النظام" السوري العسكري والمدني عقد القائد العام لـ "قوات سورية الديموقراطية" مؤتمراً صحافياً في "حقل عمر" الى الشمال من مدينة "دير الزور" بحضور "السفير الاميركي ويليام روباك" ممثلاً رئيس الولايات المتحدة الاميركية لدى التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش" احتفاء بالنصر الذي تحقق بتحرير منطقة "الباغوز".

...وكان لا بد لسفير الولايات المتحدة الاميركية من كلمة في المناسبة ليقول:

"الولايات المتحدة فخورة بلعب دورها مع 79 دولة لإنجاح هذه الجهود والقضاء على تنظيم داعش جغرافياً..."!

وبهذا الانجاز العسكري – المدني أعلنت جبهة قوات سورية الديموقراطية (قسد) تأسيس نواة إدارة ذاتية في شمال شرقي سورية، فاعاد الاكراد إحياء لغتهم وتراثهم، معتمدين على أنهم "ثاني قوة مسيطرة على الارض بعد قوات النظام السوري".

وبهذا الانجاز العسكري والمدني والسياسي الذي احرزته جبهة قوات سورية الديموقراطية وضع أكراد سورية الحجر الاساس الاول لـ "إدارة الحكم الذاتي" ضمن الكيان السوري الذي بات موضوعاً مطروحاً للنقاش في دوائر الدول الكبرى...

ولا يخفي أكراد سورية، كما أكراد العراق، وأكراد تركيا، وسائر دول الشرق الاوسط، وما وراء البحار، ان لهم قضية يمكن اختصارها، مبدئياً، بـ "إدارة حكم ذاتي" داخل الكيان السوري، كما الحال في الكيان العراقي مع إقليم كردستان.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في طليعة رؤساء الدول المهنئين بالنصر الكردي (السوري) على الجماعات الارهابية، وفي المناسبة ظهرت معلومات عن مشاركة مئات الجنود الفرنسيين من "الوحدات الخاصة" في حرب سورية، وهؤلاء كانوا من ضمن القوات الحربية الاجنبية المشاركة التحالف الدولي في الحرب السورية.

وثمة علامة مهمة في الموضوع الكردي المتداخل في بعض الكيانات العربية، وغيرها في مناطق الشرق الادنى. وللاكراد المشرقيين أنصار من أقطاب الدول الكبرى، فالرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران كان كبير الاقطاب الاوروبيين الداعمين لحق الاكراد بكيان مستقل في الشرق يجمع شتاتهم عبر العصور والازمنة. وقد تابعت دانيال ميتران مهمة زوجها بتوصية منه، وزارت رؤساء المنظمات الشعبية والسياسية الكردية المناضلة لبلوغ الهدف بتأسيس كيان يجمعهم في الشرق...