Advertise here

كهرباء اللبنانيين على مذبح "كهرباء لبنان"

08 أيار 2021 17:31:46 - آخر تحديث: 08 أيار 2021 18:04:42

 كأن لبنان، ذاك البلد الذي وُصف يوماً ببلد الإشعاع والنور، بات النموذج الكوني الفريد الذي منَّ عليه اللّه بنعمة الكهرباء، فانبرى بإبداعه الفذ إلى استفاضة غير مسبوقة في دراسة تلك المادة الاستثنائية، علَّه من خلال تجاربه المنقطعة النظير على مساحة مختبره الممتد من برّه إلى بحره، يدرك خبايا تلك المادة، فيمعن مستفرداً في تطويرها وتصديرها إلى أرجاء المعمورة سيراً على خطى أسلافه في تصدير الأبجدية...

حتى بلوغ تلك الغاية المنشودة، تدور رحى "الطاقة" وملحقاتها من مؤسّسات و منشآت "مستقلة" ممعنة في ابتزاز اللبنانيين، والتهويل بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يُستجب لرغباتها الهادفة لتغطية عجزها السنوي الدائم مما تبقى من ودائع الذين لا ودائع لهم صوناً وحرصاً على رخائهم الموعود منذ بزوغ شعار 24 على 24.

منذ بضعة أسابيع عمدت مؤسّسة كهرباء لبنان إلى افتعال تقنينٍ قاسٍ بعدما خفضت إنتاجها إلى الحدود الدنيا ريثما يستجيب مجلس النواب لسلفة المئتي مليون دولار، علماً أنّ صندوقها كان ما يزال يعبق بما يقارب 397 مليار ليرة من بقايا سلسلة من "السلفات" التي لم ولن تردّ يوماً إلى الخزينة.

أما اليوم فتعود وزارة الوصاية إلى لغة التهديد والوعيد متناسيةً التغييب المتعمّد المزمن لأي إصلاح لهذا القطاع، لا بل تناست، بعد طيّها الطويل الأمد لقانون تنظيم قطاع الكهرباء النافذ (قانون 2002/462) في أدراجها، ما ورد في "ورقة سياسة قطاع الكهرباء الميومة" التي أقرها مجلس الوزراء بتاريخ 8 نيسان 2019، أي منذ سنتين وشهر. 

وفيما يلي أهم ما جاء في هذه الخطة:

اعترفت الخطة بوجود نسبة مرتفعة من الهدر تقدر ب37%، علماً ان البنك الدولي في تقريره الصادر في خريف 2018، تحت عنوان "تقليص مخاطر لبنان"، قدّر نسبة الهدر بما يزيد عن 40% كما اعتبر أن المدخل الإلزامي لإصلاح قطاع الكهرباء يكمن في تقليص تلك النسبة إلى أدنى مستوياتها.

وفي السياق ذاته، لا بد من التذكير بإحدى أهم التوصيات التي صدرت عن المؤتمر الذي أقامه الحزب التقدمي الاشتراكي في نيسان 2018، تحت عنوان "نحو رؤية إصلاحية علمية لقطاع الكهرباء":

"إنّ أي بحث لمعالجة وتطوير قطاع الكهرباء يبقى مدخله الإلزامي والضروري إجراء إصلاحات جذرية في مؤسّسة كهرباء لبنان والقطاع الكهربائي بشكل عام، إذ لا استثمار دون إصلاح ووقف للهدر، بحيث أن أي زيادة في الإنفاق لن تحقّق مفاعيلها المرجوة دون هذه الإصلاحات التي باتت أكثر من ضرورية وملحة".

"تخفيض أولي لـ50% من الهدر خلال العام 2018، عبر الإلتزام بمعالجة الهدر التقني وغير التقني، ووضع الإصلاحات الإدارية موضع التنفيذ كضرورة أولية حتمية لإنعاش القطاع الكهربائي".

وبالعودة إلى خطة 2019، فقد ورد في صفحتها الرابعة أنّ تخفيض الهدر بنسبة 23% سوف يسمح بتحصيل 1,200 مليار ليرة، ما يعني فعلياً حسب الخطة أنّ كل نقطة هدر واحدة (1%) كلّفت خزينة المؤسّسة فعلياً خسارة 35 مليون دولار! 

واعتماداً على نسبة الهدر المقدّرة من قِبل البنك الدولي، وعلى كلفة الهدر الواردة في الخطة، يتبيّن بما لا يقبل الشك أن الخسارة الناتجة عن مجموع الهدرين (تقني و غير تقني) بلغت مليار و400 مليون دولار سنوياً!!!

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ أهم واجبات مؤسّسة كهرباء لبنان تتمحور حول ضبط هذا الهدر، وقد عمدت إلى الاستعانة بشركات "تقديم الخدمات" لمساعدتها ومواكبتها في هذه المهمة، وقد جاءت الخطة المقرّة من قِبل مجلس الوزراء بتاريخ 8 نيسان 2019 للتأكيد على هذا المؤكّد...
 
 كما لا بد من التذكير بأن الخطة نفسها أقرّت أنها سوف تفعّل الجباية لتحصيل مليار و879 مليون دولار من المستحقات المتوجبة لمؤسّسة كهرباء لبنان:

علماً أنَّ قيمة المستحقات المتوجبة على الإدارات العامة ومصالح المياه وحدها  كانت توازي مليار و 213 مليون دولار بتاريخ عرض الخطة على المجلس الوزراء،

أما القيمة الإجمالية لما وعدت الخطة بتحصيله من جرّاء تخفيض الهدر وجباية المستحقات فكانت تبلغ مليارين و 679 مليون دولار.

في ظل حملة الابتزاز المرافقة لموجات التهديد والوعيد المتواصلة، وأمام تلك الوعود والمؤشرات والأرقام الموثّقة والدامغة، ألا يحق للمواطن اللبناني الذي يئنّ اليوم تحت وطأة أسوأ الأزمات التي تهدّد معيشته اليومية أن يتساءل عن مصير تلك المليارات و"تقريشها" على عدد "السلف" المطلوبة لينعم بحد أدنى من ساعات تغذية يستحقها... .
        

*عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي