Advertise here

رسائل لودريان خارجية أيضاً.. "نحن هنا"

08 أيار 2021 12:59:44

لم تقتصر زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان - إيف لودريان الى بيروت على توجيه رسائل واضحة الى الأفرقاء المحليين وما حملته من خلاصات قاسية حيال النظرة إليهم والتعاطي مع الطبقة السياسية وأحزابها في البلد فحسب، بل أراد في الوقت نفسه توجيه اشارات الى الخارج المعني بلبنان والقول لكل من يهمه الامر ان باريس تبقى صاحبة تأثير كبير لدى البيئات اللبنانية ولو لم تتمكن من تأليف الحكومة وافشال المبادرة التي اطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون. 
 
رحلة لودريان انتهت بـ"صفر نتيجة" على مستوى المساهمة في تشكيل الحكومة التي لم يدخل في تفاصيل تعقيداتها وتوزيع حصصها وهو يعرف سلفاً هذه الحصيلة قبل قدومه الى بيروت، لكنه أبلغ المعنيين في السلطة وخارجها بأن باريس لن تترك اللبنانيين يتخبطون في ازماتهم الاقتصادية والمعيشية، على خطورتها، حيث ستقدم لهم المساعدات عبر الجمعيات والمنظمات الناشطة وليس عن طريق الحكومة. ويقوم كل فريق من المعنيين في لبنان باجراء عملية تقويم لنتائج هذه الزيارة التي لم تكن محل رضى عند القوى السياسية التي أصيبت بسهام  لودريان - قبل الكشف عن لائحة العقوبات- الذي تحدث عن الحجم الكبير من مستوى الكراهية والشخصانية التي تتحكم بالعلاقة ما بين الافرقاء، ولا يراها  تنحصر فقط بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس  "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، بل تشمل آخرين.
 
 ولذلك تُجرى عملية تقويم عند كل فريق بدءاً من الرئيس ميشال عون الذي يتخذ في رأي فريقه موقفا سيادياً مع مراعاته مصالح فرنسا ولبنان وتاريخهما المشترك. وتقوم الدوائر المعنية في القصر الجمهوري بتتبع ما سمعته من لودريان وما ردده في اجتماعات اخرى للتوصل الى تقويم شامل مع الاخذ  في الاعتبار ضرورة المبادرة الفرنسية من حيث انها انقاذية - اصلاحية بامتياز ولا يمكن توسلها لاغراض سياسية على ما قال لودريان نفسه. وبعد الانتهاء من هذه العملية ستقوم بعبدا باجراء المقتضى للحفاظ على مصلحة لبنان العليا، مع التكرار مرة اخرى على التمسك بمبادرة باريس للتوصل الى حكومة الخلاص ذات المهمة المحددة وتنفيذ سلسلة الاصلاحات المطلوبة بغض النظر عن رؤية بعبدا للرئيس المكلف، مع احترامها  خيارات الكتل النيابية التي اختارته وتوافقت على تسميته، وان العبرة تبقى وتتأكد من وجهة النظر العونية باستدراك كل هذا الوقت الضائع الذي لم يصب في مصلحة أحد، وان المصلحة تقتضي تأليف حكومة وتطبيق الاصلاحات المالية والاقتصادية التي تحدثت عنها اجندة المبادرة الفرنسية. وابلغ عون لودريان  بأنه ينتظر من فرنسا ان تكون شريكاً للشعب اللبناني في "معركة استرداد حقوقه من سارقيها". 
 
   ويبقى ان الرسائل التي أوصلها الاليزيه عبر لودريان انه لم يتقبل بحسب المعلومات مفاتحته بموضوع تأليف الحكومة، وهذا ما عكسه في بعبدا وعين التينة في شكل مفاجىء ولم يكن متوقعاً، وظهر كأنه يقوم بهاتين الزيارتين من باب الواجبات والقواعد البروتوكولية لا اكثر . وكان تركيزه الاول على من سيلتقيهم على ارض سفارة بلاده من  ممثلين لجمعيات ناشطة في المجتمع. واحدث كل هذه الضجة الفرنسية في الداخل اللبناني عبر رسائله في اتجاه دول معنية بلبنان وقوله لها ولو بطريقة غير مباشرة: "نحن هنا". ووجه اشارة سلبية الى الحريري من خلال حصول اللقاء في "بيت الوسط"، واضافة الى ذلك ثبّت موعد الانتخابات النيابية بعد سنة وعدم السماح لمخيلات احد بالاقدام على التمديد للمجلس. ويساند باريس هنا المجتمع الدولي مع اشارة الى ان كل الكتل تجمع من اليوم على عدم السير بالتمديد. 
 
ووضع لودريان عصارة زيارته بلقاء المجتمع المدني الذي دبت في صفوفه  رياح الخلافات قبيل اللقاء وبعده من جراء استبعاد جمعيات ناشطة اخرى. ويعرف لودريان على عكس ما قيل ان بلاده لا تعرف التربة اللبنانية جيداً رغم تجربتها الطويلة معها، فلا يفوته ان اكثر الحاضرين الى السفارة تربطهم علاقات مع واشنطن اقوى بكثير من قنواتهم مع باريس، ولا سيما ان النواب المستقيلين سامي الجميل وميشال معوض ونعمة افرام لا يفكرون في خوض الانتخابات النيابية فحسب وتحسين حضورهم في البيئة المسيحية، بل يرجح انهم يفكرون في الترشح للانتخابات الرئاسية. وثمة مكاتب للثلاثة تنشط في اميركا وتعمل للتسويق لهم عند وجوه مؤثرة في الكونغرس والادارة الجديدة في البيت الابيض.
 
   ومن هنا لا يغيب عن القراءة الفرنسية ان الذين حضروا اجتماع السفارة لن يقدروا على إحداث تغيير او فروق انتخابية كبيرة في بيئاتهم حتى عند المسيحيين رغم مساندة باريس لهم وقول لودريان للمدعوين: "نحن معكم وسنكون صوتكم ونعوّل عليكم". ولم يتوقف عند حال الشيعة والدروز حيث ستكون النتائج معروفة سلفا. وتبقى المشهدية نفسها عند السنّة ايضا حيث تتوزع بين الرئيسين الحريري ونجيب ميقاتي مع امكانية حفاظ الوجوه السنية المحسوبة على 8 آذار والقريبة من "حزب الله" على حضورها وحماية مقاعدها في البرلمان. وعن أي تغيير يتحدث لودريان الا اذا كان كلامه من باب الزكزكة بالطبقة السياسية التي لم يعد يأتمنها على مصالح اللبنانيين. وهو قطع من خلال كلامه الطريق على الطامحين بالتمديد للمجلس وعلى المطالبين ايضاَ باجراء انتخابات مبكرة من المجتمع المدني الى حزبي الكتائب و"القوات اللبنانية".