Advertise here

المصلحة الوطنية الفلسطينية بين "باب العامود" وتأجيل الانتخابات

05 أيار 2021 11:02:32

ما حصل في القدس خلال الأيام السابقة، والذي يستمر طوال شهر رمضان المبارك، ليس مسألة تقنية على غرار ما سبق أن شهدته من صدام بين المقدسيّين وشرطة الاحتلال الإسرائيلي، حين أقدمت الأخيرة على وضع حواجز معدنية، وبوابات إلكترونية، وكاميرات مراقبة، لمنع الفلسطينيين من الدخول إلى المسجد الأقصى، حيث أسفرت تلك الإجراءات في حينه إلى اندلاع انتفاضة شعبية أُجبرت سلطة الاحتلال على التراجع عن تنفيذ تلك الإجراءات، ورفع الحواجز والبوابات والكاميرات؛ إنما هو إشارة إلى دور القدس كعنوان المستقبل الفلسطيني، كونها العاصمة التاريخية، والثقافية، والرمزية، لفلسطين ول 14 مليون فلسطيني.

 هبّة باب العامود تقول إن هذه المدينة تنبض بالحياة، وأنّ أبناءها مستعدون للدفاع عنها، ومستعدون للصدام مع الجيش الإسرائيلي، ولخوض صراع طويل الأجل، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

القدس هي عين الإعصار في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والمسجد الأقصى هو قلب القدس، فهذه الرمزية وهذا البعد الثقافي والتاريخي، يدفع بالفلسطينيين، لا سيّما المقدسيين منهم للسعي إلى إنتاج حلٍ وطني يحقّق الحد الأدنى المطلوب لهم، ويتوافق مع القانون الدولي، ومع الشرعية الدولية، لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أغلقت، وما زالت، تغلق الأبواب أمام أي حلٍ لهذا الصراع، بما فيها منع المقدسيين من المشاركة في إعادة إنتاج الحياة السياسية الفلسطينية تحت عنوان منع مشاركة القدس بالانتخابات الفلسطينية التي كان من المتوقع إجراؤها في 22 أيار القادم، قبل أن تلجأ القيادة الفلسطينية إلى تأجيلها. فالقرار الإسرائيلي بمنع المقدسيين من ممارسة حقهم السياسي والديمقراطي يندرج تحت شعار واحد: فرض الاعتراف بالقدس مدينة يهودية، وعاصمة إسرائيل الأبدية، وسكانها يخضعون لسلطة إسرائيل، ولا علاقة لهم لا بالضفة الغربية، ولا بقطاع غزة، ولا علاقة لهم بفكرة الدولة الفلسطينية، ولا بقرار حل الدولتين الذي أعادته إدارة بايدن إلى الطاولة. إسرائيل الدولة التي تدّعي الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتتغنّى بأنها دولة القانون، تمنع الفلسطينيين من ممارسة حقّهم في الانتخاب، وخاصة في مدينة القدس التي يقطنها حوالي 400 ألف فلسطيني، بينهم نحو 200 ألف ناخب.

حين جرى الإعلان عن موعد الانتخابات الفلسطينية في أيار الجاري، أعلنت القيادة الفلسطينية أن الانتخابات لن تجري دون مشاركة القدس، فالتغاضي عن هذه القضية يعني الاعتراف بقرار ترامب ونتنياهو بأن القدس الشرقية أصبحت إسرائيلية وليست فلسطينية، وبأن القدس الشرقية ليست جزءاً من النظام السياسي الفلسطيني وليست عاصمة فلسطين المستقبلية، وهذا ينافي أبسط الحقوق الوطنية الفلسطينية لما يعرف بالحل النهائي، ويتعارض مع أبسط القواعد والقوانين الدولية، فضلاً عن أنه يتناقض والبُعد التاريخي، والثقافي، والإنساني، للفلسطينيين عامة في الداخل وفي دول الشتات، وللمقدسيين خاصة.

لذلك فإن دور القدس في الانتخابات الفلسطينية ليس بمسألة أرقام، لا الـ 200 ألف ناخب، ولا مجموعة نواب في البرلمان، أو في المجلس التشريعي الفلسطيني، بل هي النقطة المحورية في مستقبل القضية الفلسطينية، ومستقبل الدولة وعاصمتها القدس، وبالتالي فالانتخابات الفلسطينية بلا القدس لا معنى سياسي لها، بحيث تصبح أشبه بانتخابات بلدية لتصريف أعمال المدينة وشؤون سكانها ليس إلّا.

أمام هذا الدور المحوري للقدس في الانتخابات الفلسطينية، ومحاولة نتنياهو تكريس واقع الضم، وفصل الضفة عن غزة، وتفريغ الانتخابات الفلسطينية من مضمونها السياسي، وضمان استمرار الواقع الراهن على حاله دون تقديم أي بديل سوى المزيد من القمع والضغط والتهجير، يدرك نتنياهو أن الشعب الفلسطيني يتزايد في تركيبته الديموغرافية بشكل مضطرد، فعدد الناخبين الفلسطينيين ازداد من العام 2014 إلى العام 2021 ما يقارب مليون ناخب، وأعمارهم بين 18 و33 سنة، ما يشكّل قوة شبابية ناخبة مضافة على الأعداد السابقة، أضف إلى ذلك أن نسبة الاقتراع في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة تجاوزت 85%، وهي من أعلى نِسَب الاقتراع في العالم. لذلك وأمام حالة الترهّل والانقسام الداخلي الفلسطينية، والتي عُلّقت الآمال على إنهائها بإجراء الانتخابات التشريعية التي تهدف إلى تجديد الروح الشبابية في النخب السياسية، وتجاوز الحالة الانقسامية داخل الجسم الفلسطيني، وحلّ الخلافات بين الفصائل بشكل ديمقراطي، وإعادة الحيوية للنظام السياسي الفلسطيني، والشرعية الفلسطينية المستندة إلى الانتخابات الشعبية، جاء قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية ليشكّل طعنة بحق المقدسيّين المنتفضين في ساحة باب العامود أولاً، ومسايرة للفيتو الإسرائيلي، وتسليماً بضغوط نتنياهو ومواقفه المتصلبة ثانياً، وإضعافاً للموقف الأميركي بالعودة إلى خيار حل الدولتين، بدل الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة، وإرغامها على التراجع عن قرار ضم القدس من خلال التأكيد على السير بالانتخابات وتحويل الهبّة الشعبية في باب العامود إلى مواجهة مدنية وشعبية مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي تحت عناوين حقوقية وديمقراطية.

كان على القيادة الفلسطينية أن تتسلح بموقف الرئيس بايدن إعادة فتح مكتبها في واشنطن، وإطلاق حملة سياسية دبلوماسية دولية ترغم واشنطن على  التدخل للضغط على إسرائيل للتراجع عن موقفها، وبالتالي نقض قرارات ترامب بالاعتراف بالقدس والاعتراف بالمستوطنات باعتبارها مستوطنات شرعية. كان على القيادة الفلسطينية دعم التحرك الشعبي في القدس، والتأكيد على حق الفلسطينيين في الاقتراع، وفي تجديد نُخبهم السياسية، وفي الالتزام بالعملية الديمقراطية التي ينادي بها العالم كمدخلٍ لتجديد الحياة السياسية، فإسرائيل دولة محتلة ويجب إجبارها على عدم التدخل في الانتخابات الفلسطينية، وعليها أن تعطي الفلسطينيين الحق في التصويت والمشاركة الانتخابية. كان باستطاعة الإدارة الفلسطينية الاستفادة من الأجواء الدولية والتمايز الأميركي – الإسرائيلي في مسألة الملف النووي الإيراني، والبناء عليه لتوسيع قاعدة التمايز تلك تجاه الملفات الفلسطينية.

الانتخابات الفلسطينية هي قضية صراع، ومعركة على النظام الديمقراطي للشعب الفلسطيني، وعلى حقوقه التاريخية، وعوض أن تكون عملية تقنية فنية يمكن تأجيلها، كان بالإمكان تحويلها إلى معركة وطنية وأخلاقية وقانونية، فالكثير من الشعوب التي رزحت تحت الاحتلال مارست أنواعاً من الانتخاب السري، أو عبر أشكال متعددة تحدّت ظروف الاحتلال، وهذا الامر متوفر في قضية القدس، سيّما وان الناخبين المقدسيين في محافظة القدس يزيد عن 430 ألف ناخب فلسطيني.

كان الأجدر بالقيادة الفلسطينية أن تُبقي خيار إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، وتحويل المعركة إلى قضية وطنية يتفق الجميع حولها وحول أهميتها، حتى إذا وصل الأمر الى اعتقال الناخبين والمرشحين لخوض المعركة الانتخابية، فتحويل المعركة الانتخابية إلى قضية وطنية، وحق قانوني وديمقراطي، ووضع الاحتلال في مواجهة مع النظام الديمقراطي، يفرض على الدول الديمقراطية، لا سيّما الأوروبية، والمجتمع الدولي الوقوف إلى جانبها، بدلاً من تأجيلها ووضع المصلحة الوطنية الفلسطينية  والوحدة الفلسطينية، وخيار تجديد الشرعية الفلسطينية في مهب التجاذبات الدولية.