Advertise here

النازحون... النازحون...

25 آذار 2019 07:56:00 - آخر تحديث: 10 أيلول 2020 14:38:41

نرتكب، نحن أهل الإعلام، جرائم يوميّة بحقّ من اصطُلح على تسميتهم بالنازحين السوريّين.

نتعامل مع هؤلاء كرقمٍ. عاد مئة نازح. عاد مئتان. عددهم كذا، وفق الإحصاءات. نسبة ولاداتهم كذا...

ونتعامل معهم كحسابٍ سياسيّ. نخوّف بهم، ونتنافس بهم.

وأيضاً، نتعامل معهم كعبءٍ اقتصاديٍّ وبيئيّ. النازحون يزيدون من نسبة الزحمة ويستهلكون الكهرباء والمياه، ونكاد نقول الهواء. ويلوّثون الأنهر، وكأنّها كانت نقيّة قبل قدومهم.
قد يكون السوريّون زادوا من بعض مشاكلنا. ولكنّنا لم نكن يوماً بلا أزماتٍ، في السياسة والأمن والاقتصاد والبيئة والتربية... وبعض من يهاجم النازحين ويتحمّس لرحيلهم، اليوم قبل الغد، استفاد منهم، في المال والتوظيف كما في التعبئة السياسيّة.

حين نتحدّث عن السياسيّين، في المؤتمرات وعلى المنابر، وحين نكتب عنهم في الصحف وعلى المواقع، علينا ألا ننسى أنّ هؤلاء ما قصدوا بلدنا في رحلة استجمام، ولا هم أعدّوا للزيارة قبل أسابيع، وعينهم على مناخنا وشاطئنا وجبالنا، بل هم حزموا حقائبهم على عجل، وهي لم تتّسع لذكرياتٍ وصورٍ وأحبّة، سقطوا هناك، تحت جدرانٍ دمّرتها حربٌ بشعة. الحروب كلّها بشعة. إسألوا اللبنانيّين، العقلاء منهم على الأقل.

وعلينا ألا ننسى، أيضاً، أنّ من هم في لبنان اليوم هم من نجا من موتٍ أو إعاقة أو رعبٍ في بلدهم، وهم من نجا من قوارب الموت التي تعبر نحو شواطئ آمنة ولا تصل. كم من سوريٍّ يرقد في أعماق هذا المتوسّط. وهم من اختار، مرغماً، أن يبدأ من جديد ولو في بلدٍ متعثّر، وبعض شعبه مصاب بمرض العنصريّة، وهذه تأتي أحياناً على شكل نوبات قد نصاب بها جميعاً.

على النازحين السوريّين أن يعودوا الى بلدهم. هذا حقّ لهم ولنا. وعلى استغلال هذه القضيّة أن يتوقّف. وعلى العلاقة بين الدولتين أن تنتظم. وعلى بعض من في السلطة أن يجد أعذاراً لمآسينا غير النازحين.

ولكن، في الأثناء، بعض الرأفة وبعض الضمير.