جبال النفايات

04 أيار 2021 14:14:25

قريبا جداً، سيدخل لبنان العصر الجيولوجي الخامس. ستبرز فيه هذة المرة جبال النفايات، قبالة جبال الأرز والسنديان والشربين والشوح والعفص والسرو وعرائش اللبان، التي ظهرت بعد العصر الجيولوجي الرابع.

يدفع اللبنانيون بنفاياتهم، إلى صحن البحر الذي يأكلون منه، ويتنشقون هواءه، ويسرحون فيه بصرهم، وتسبح فيه أجسامهم مثل نجوم السماء، كل يوم. يجعلون نفاياتهم تغور في أعماق البحر، تستقر هناك، ثم يرونها تعظم يوما بعد يوم وعاما بعد عام، حتى تبرز جبالا، بعد أن يدخل لبنان العصر الجيولوجي الخامس، في هذا العصر.

قريبا جدا، يتكرّم أولياء الأمور من أهل الدفع والمنع، وممن بيدهم الحل والعقد، بظهور جبل من النفايات، قبالة مدينة الفيحاء، طرابلس التي عطّرت تراب أبائهم وأجدادهم. سيكون إسمه جبل البداوي للنفايات، بدل جبل البداوي العطر الذي إستمر لأجيال، يعطر برياحينه النواحي والأرجاء.

سوف ينسى الأهالي، أسماء الزهور والعطور.. سوف ينسون الأشجار، التي كانت تتناوب على تعطير طرابلس والجوار طيلة العام. سوف تصير كروم الزيتون وصفوف شجيرات الصفصاف والدلب، وبساتين الليمون، وحوافي الزيزفون، من الذكريات. سوف يتوحد الناس، جميعهم، بعدما فرّقتهم الحروب، حين يأمّون، جماعات جماعات، جبل النفايات في البداوي قرب أحواض سمك البداوي الذي يطير، كما في الأساطير، وقرب بواخر وقوارب النزهات، إلى المحميات البحرية، في الميناء بطرابلس.

في العصر الجيولوجي الخامس، سوف تشهدون على ظهور جبل النفايات، قبالة جبل تربل الأشم، من صنع اللبنانيين أنفسهم، وبرعاية سامية من السياسيين، وأهل السلطة المقدمين.

وليس بعيدا منه، سيظهر جبل آخر من النفايات لمخلفات المنشآت الصناعية والمعامل التي تكاثرت مؤخرا، بين بلدات القلمون وأنفة وشكا وأميون وزغرتا.

بين دير البلمند ودير الناطور ودير النورية، ستكون منطقة الحريشة، منبت الأقحوان وشقائق النعمان والبنفسج، شاهدة على أعظم جبل للنفايات السامة، في تاريخ لبنان، بين ثلاثة أديار، هي حتى اليوم قبلة النسّاك والزوار.

وبين البترون والفيدار وجبيل والبوار، سوف يظهر في العصر الجيولوجي الخامس، ثالث أعظم جبل للنفايات، بعد جبال البداوي والحريشة وأنفة وشكا والهري ورأس الشقعة.

جبال النفايات في لبنان، ستأخذ بالظهور في العصر الجيولوجي الخامس، بين الصفرا والكازينو والكسليك وبرج حمود، أعظم الجبال ستظهر هناك.. ستكون قبلة السواح والزوار، ينزلون صباحا من المنتجعات، ويستجمون بين هذه الجبال، التي تقابل جبال كسروان والفتوح والمتن. جبال من النفايات، تغلب عليها عظمة نفايات المعامل الصناعية، التي لا تفوقها عظما، إلا جبال النفايات في مدينة الشويفات.

هل أحدثكم عن نفايات الـ «كوستابرافا»؟!.. هضاب عظيمة ممتدة على مرأى الطيارين، الطيارون الآتون إلى لبنان، والذين يحطون على أرض المطار، الملاصق للكوستابرافا، من شتى الأصقاع.

يحطّون على أرض المطار، فتغمرهم جبال النفايات التي تزكم أنوفهم، وخلفها مزارع الخنازير والدواجن والأغنام والخيول والأبقار، التي تبعث روائحها، من روثها المخمر، طيلة المواسم، فلا تقصّر بحق الزائرين، ولو كانوا من صنف الملوك والرؤساء والمارشالات والجنرالات، ومن أهل اليونيفل والقبعات الزرق الأشاوس والميامين.

أين جبال النفايات في الناعمة والجية وسبلين وصيدا والإقليم، إنها من نوع الجبال الأسطورية، التي لا يعرف سر نموها، بالسرعة القصوى، إلا القيّمون عليها.. والذين إذا قالوا: هذي لنا!

جبال النفايات ستظهر أيضا في النبطية وإقليم التفاح وصور. ويحظر عليها الظهور في الناقورة، بأمر من القبعات الزرق، وخلفها كتائب الملك داوود، تحرس البحر من طيور النورس ومن أسراب اللقلاق وقوافل البجع المتقاطر كالسلاسل الفضية، فوق مدينة صور.

هل نتحدث عن جبال النفايات على نهر العاصي وعلى نهر الليطاني، وجبال النفايات المتراكمة، في سهل البقاع وفي سهل عكار؟ هل نتحدث عن مزارع النفايات التي تنمو، في سهول القمح عندنا أيام الرومان؟

بين سد القرعون وعنجر وبعلبك والعاصي وقاموع الهرمل، جبال ومزارع من النفايات على مد النظر.

إيه وادي البقاع، في العصر الجيولوجي الخامس، سوف نبكيك ونرثيك، تماما كما بكى شاعر القطرين، خليل مطران آثار بعلبك، بعد دخول الجنجويد وجحافل البربر إليها، حيث أنشد يقول:

إيه آثار بعلبك سلامٌ

بعد طول النوى وبُعدِ المزار

جبال النفايات في لبنان، سوف تظهر على وجوه صانعيها، في لياليهم البيضاء، وفي أحلامهم السوداء، وتعلنهم مجرمين، بحق التاريخ.. بحق الشعب الذي أكرمه الله بعطر الأرز والشوح والشربين، وأغرقه ساسته بجميع سموم النفايات.