Advertise here

8% نمو خلال الفراغ في بلجيكا وتراجع مميت في لبنان.. المشكلة في الذهنية لا في النظام!

03 أيار 2021 13:31:31 - آخر تحديث: 03 أيار 2021 15:50:16

في الأسابيع الماضية تباحث الإتحاد الأوروبي مقترحات فرنسية ترمي إلى تجميد أصول وفرض حظر سفر على سياسيين لبنانيين لدفعهم إلى تشكيل الحكومة وسلك الطريق الصحيح والوحيد بإتجاه إنقاذ لبنان من أزمته ومن الإنهيار الشامل الذي لم نصل اليه بعد رغم صعوبة الاحوال وخسارة اللبنانيين ما يزيد عن 80% من قدرتهم الشرائية. وقد أرادت باريس أن يُحاسب الإتحاد الأوروبي المسؤولين اللبنانيين الذين يسقطون المبادرة الفرنسية، لكنَّ رفض دولٍ في الإتحاد الاوروبي، تَرَكَ الرئيس الفرنسي ماكرون أمام خيار الشروع في وضع عقوبات بشكل منفرد عبر حكومته. 

مصادر مطلعة على الملف، توضح أن سقوط خيار وضع الاتحاد الاوروبي لعقوبات على سياسيين لبنانيين، يعود في أحد أسبابه إلى موقف بلجيكا التي عارضت هذا المقترح لواقعها الداخلي. اذ إن العقوبات المقترحة فرنسياً تأتي بالدرجة الاولى لمحاسبة المسؤولين في بيروت على تأخرهم في تشكيل حكومة، وهو منطق لا يناسب بروكسل حيث النظام السياسي فيها أيضا توافقي والحكومات لا تتشكل بين ليلة وضحاها. وهذا ما تؤكده التجربة الأخيرة، إذ شُكِّلت حكومة لبلجيكا في أيلول 2020، بعد 16 شهرا من إنتخابات تشريعية أنتجت أزمة سياسية حادة وجعلت التوافق على تشكيل حكومة صعب المنال.

لكن المفارقة أنه رغم الفراغ الحكومي 16 شهراً في بلجيكا فإن النظام لم ينهار، ولا يوجد ثمة مُكَوِّن يحاول الإنقضاض على المُكَوِّن الأخر، والدولة بقيت محافظة على استمرارية عمل مؤسساتها وعلى دورها إبَّان الفراغ، لا بل هي حققت نموا إقتصاديا بنسبة 8% في ظل حكومة تصريف الأعمال وبالرغم من إنتشار جائحة كورونا.

عندما يصار الى شرح الأنظمة الديمقراطية التوافقية، تؤخذ بلجيكا دائما كمثال. فهذا النظام الهادف لتوفير شكل من أشكال التعاون والتوافق بين مكونات المجتمعات غير المتجانسة "Heterogeneous Societies"، قوامه إلغاء حالات الصراع والتنافس وضمان عدالة التمثيل لجميع المكونات. 

نظامٌ نجح في بلجيكا وسويسرا وغيرهما من الدول، لكنّه يفشل في لبنان بشكل فادح، وهذا ما يأخذنا إلى الاستنتاج إلى أن الأزمة في لبنان ليست أزمة نظام، بل "أزمة ذهنية" تتمثل بأجندات بعضها قديم وبعضها حديث لتوجهات سياسية مشروعها الاستئثار استنادًا الى مفاهيم وممارسات تُعزّز الشرخ الاجتماعي والتقسيم تحت منطق: "هم ونحن".

نهجٌ أوصلنا الى الإنهيار فيما يرتكز نظامنا على تمثيل الجميع والاعتراف المتبادل بين كافة المكونات تجاه بعضها البعض، وتوفير حد أدنى من التفاهمات الضامنة لقيام دولة مُمَثِّلة لجميع أبنائها.