Advertise here

أول طبيبة عربية ترأس قسم بيولوجيا الأعصاب في جامعة حيفا

منى مارون: كورونا وضعنا في حالة من العجز... والأطفال أكثر تضرراً في المستقبل

03 أيار 2021 12:52:34 - آخر تحديث: 03 أيار 2021 13:01:51

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالًا أجرت فيه مقابلة مع البروفيسورة في علم الدماغ ورئيسة قسم بيولوجيا الأعصاب في جامعة حيفا منى مارون البالغة من العمر 51 عامًا، التي أصبحت أوّل سيدة عربية في إسرائيل، بروفيسورة في علوم الأعصاب وترأس القسم الجامعي المتخصص بهذه العلوم.

وسردت الصحيفة مسيرتها منذ نشأتها في قرية عسفيا ذات الأغلبية الدرزية على جبل الكرمل، وصولًا إلى إكمال دراستها وأبحاث ما بعد الدكتوراه في فرنسا قبل عودتها إلى جامعة حيفا. ولفتت الصحيفة إلى أنّ مارون تعمل الآن على تطوير علاج يؤدّي إلى محو المشاعر السلبية التي ترافق الصدمات.

وفي حديثٍ أجرته الصحيفة معها، قالت مارون إنّها كانت ترغب بأن تصبح طبيبة، وقالت: "كما تحلم كلّ أم يهودية بأن يصبح إبنها طبيبًا، لدى الأمهات العربيات الحلم نفسه"، مضيفةً: "لكن لم يتم قبولي في كلية الطب، والآن أنا ممتنة لما حصل، لأنني لم أكن لأستطيع أن أحقق ما أقوم به الآن". وتابعت أنّها درست علم النفس في جامعة حيفا، لكنّ الإختصاص لم يكن يعجبها وكانت تفكّر في كيفية الإبتعاد عنه من دون أن تخيب آمال والديها، وفي عامها الجامعي الثالث، انضمّت إلى مشروع بحثي، كان يجري فيه الباحثون اختبارات على فئران في المختبر، وهناك بدأت رحلتها بحسب ما قالت.

والآن تجري مارون دراسة على الأسس العصبيّة لاضطراب ما بعد الصدمة من خلال تجارب مخبرية على الفئران، وتركّز على البيولوجيا العصبية للتعلم والذاكرة والعواطف، كما أنّها تمكّنت من تطوير علاج طبي للوقاية من اضطراب ما بعد الصدمة، ومحو ذاكرة الخوف عن طريق الحقن.

ردًا على سؤال حول سبب شعور الناس بالخوف، لفتت مارون إلى أنّ "الخوف مهم للبقاء"، موضحةً على سبيل المثال أنّ الحيوان الذي يواجه قطًا مفترسًا لا يحتاج للتفكير فيما إذا كان الخوف أمرًا يستحق العناء أم لا وهذا ما يزيد من قدرته على البقاء. وتسمى المنطقة في الدماغ حيث تنشأ استجابة الخوف اللوزة الدماغية أو اللوزة العصبية. فإنّ قشرة الفص الجبهي للدماغ، المتطوّرة عند الإنسان أكثر من الحيوان، هي المنطقة التي تمكننا من فهم مشاعر الآخر، وهي مسؤولة أيضًا عن تثبيط اللوزة والسيطرة على استجابة الخوف، وفقًا لمارون.

وسُئلت مارون في المقابلة عمّا يحدث في حالات الصدمة، فردّت قائلةً إنّ بحثها يركّز على طريقة تعامل الدماغ مع الصدمات، وبالتحديد على التفاعل بين اللوزة العصبية وقشرة الفص الجبهي. وأوضحت: "في حالات الصدمة، نتعرض لأمر سلبي، لكن لا نبقى غارقين في هذا الأمر لأننا نحتاج إلى مواصلة حياتنا، والسؤال هو عن الخطأ الذي يحدث في التفاعل بين القشرة واللوزة، وهو ما يتسبب بأن يبقى الخوف يلازمنا حتى مع مرور الوقت".

وأضافت: "ندرس هذا الأمر ونختبره على الحيوانات، عبر تقليل مساهمة اللوزة العصبية وزيادة مساهمة قشرة الفص الجبهي، لا سيما وأننا ندرك أنه في حالات اضطراب ما بعد الصدمة، تكون مساهمة أو تفاعل اللوزة أكثر من القشرة"، وأشارت إلى أنّ "هناك جزئية موجودة إسمها AKT وبحال تمّ حقنها في الدماغ، فقد تؤدي إلى محو المخاوف المتعلّقة بذاكرة الصدمة".

وعن كيفية عمل العلاج في الدماغ، أوضحت أنّه لا يمحو الذاكرة بمعنى أنّه يجعلها غير موجودة، وأعطت مثلًا على ذلك بأنّه يمكن أن يحذّر الأهل طفلهم من الاقتراب من الموقد الساخن، ولكن في النهاية سيقترب منه بدافع الفضول ويعاني من الإحساس بالحرق، وبهذه الطريقة يتعلم ألا يقدم على فعلته مرّة جديدة. وأضافت: "لهذا لا نريد محو هذه الذاكرة لأنّها تعطينا دروسًا و وتساهم في البقاء على قيد الحياة. وما نسعى إليه هو محو ردود الفعل التي ترافق الصدمة والتي تشلّ حركتنا"، لافتةً إلى أنّ "هذا هو الفرق بين ذكرى الصدمة وردة الفعل على الصدمة والعاطفة المصاحبة لها"، ونبّهت أنّ "ضحايا الصدمات لا يقدرون أن يعودوا إلى حياتهم العادية بسبب الخوف".

وعن الوقت الذي يحتاجه الشخص بعد تعرضه للصدمة لكي يخضع للعلاج، قالت مارون: "هناك ظاهرة في علم الأعصاب تُعرف باسم إعادة توحيد الذاكرة أي استدعاء الذكريات المدمجة مسبقًا وتوحيدها، وفي اللحظة التي تظهر فيها ذكرى الصدمة، يمكن تقويتها أو التقليل منها، وبالتالي التأثير على ذاكرة الحدث الصادم حتى لو مر الوقت على حدوثه، ولهذا لا يمكن الحسم الآن عن الوقت الذي يكون فيه العلاج فعالاً".

وعن تأثر النساء والرجال في الصدمات وإذا ما كان يوجد تباين بين الجنسين، قالت مارون: "تعاني النساء من اضطرابات القلق أكثر من الرجال، وخلصنا إلى أدلة في أبحاثنا على الآليات التي تتعامل مع اضطرابات القلق، من خلال مقارنة صغار الحيوانات من الذكور والإناث قبل النضوج وتبيّن الفرق".

إذَا، هل يعني ذلك أن الأطفال يتعاملون مع الصدمات بشكل مختلف عن البالغين، سُئلت مارون، فأجابت: "تواصل قشرة الفص الجبهي النضوج عند البشر حتى سن العشرين، وتبيّن لنا أنّ الآليات التي تتوسط تعلم الخوف عند الحيوانات الصغيرة تتباين عن تلك الموجودة لدى الحيوانات الناضجة، وبالتالي نستنتج  أنّه لا يمكن علاج طفل مصاب باضطراب ما بعد الصدمة بالطريقة نفسها التي يُعامل بها شخص بالغ".

وعن تأثير جائحة "كوفيد 19" والضغط النفسي الذي يتسبب به على الدماغ، قالت مارون: "إنّ فيروس كورونا وضعنا في حالة من العجز"، شارحةً أنّه "عندما يصبح الدماغ في حالة من عدم السيطرة، فإنه يتسبب في مواقف تحاكي التوتر"، ولفتت إلى أنّ "الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا من تفشي الجائحة، إذ قلّ تفاعلهم الإجتماعي ودرسوا عبر تطبيق زووم ولازموا الشاشات بشكل مستمرّ، وبالتالي سيعانون من مشكلات عاطفية في المستقبل، إذ من غير الواضح كيف ستمكنون من تنظيم مشاعرهم وكيف سيتعاملون مع المواقف الاجتماعية". وأضافت أنّ "الأزمة الصحية العالميّة تسببت في حدوث مشكلة السمنة التي تؤثر أيضًا على الدماغ لدى كل من الأطفال والبالغين". وأوضحت: "إذا قدّمنا طعامًا غير صحي لحيوان لكي يأكله لمدة أسبوع، فقد لا يؤثر على وزنه أو على مستوى الكوليسترول لديه، لكن الدماغ سيتأثر، وبالتالي فإنّ ما يتغذى منه الاطفال وما يعيشونه سيؤثر سلبًا عليهم في المستقبل".

وعن نشأتها في قرية عسفيا، قالت إنّها كانت في منزل متواضع مع شقيقاتها ووالديها اللذين كان لهما الفضل بما وصلت إليه، مع أنّهما لم يكملا الصف الرابع لكنهما كانا يدركان أهمية التعلم، بحسب ما قالته مارون.

وعن ردود فعل المجتمع العربي فيما يتعلق بمسيرتها الأكاديمية، قالت: "البعض يهنئني والبعض الآخر يتجاهلني، وعلى الرغم من أنني رئيسة اللجنة التوجيهية لمجلس التعليم العالي التي تُعنى بإعطاء منح للسكان العرب لإكمال تعليمهم العالي، ومع ذلك لم يتصل بي سياسي واحد من المجتمع العربي". ورأت أنّه بإمكان "السكان العرب إحراز تقدّم في التعليم العالي حتى بدون السياسة"، وقالت: "أحاول فتح الأبواب للطلاب والأكاديميين العرب".