Advertise here

ثابتتان لـ"التقدمي" في مفاوضات الترسيم.. وعلى لبنان عدم الانزلاق

01 أيار 2021 18:10:24 - آخر تحديث: 21 أيار 2021 18:46:43

الثروة البترولية هي الهدف الأول والأخير من ترسيم الحدود البحرية شمالاً أو جنوباً. إذ أنّ لبنان، وعلى عكس الدول المجاورة، بلدٌ متقلب سياسياً ومتأثرٌ بالصراعات الجيو- سياسية، ما يجعل من موضوع استثمار ثروته البترولية عملية معقدة، الأمر الذي أثبته واقع حال تأخر لبنان في استخراج غازه مقابل انتقال البلدان المجاورة إلى مراحل الإنتاج والتصدير. من هنا تأتي أهمية تناول ملف ترسيم الحدود بحكمةٍ وطنية بعيداً عن التجاذبات السياسية الداخلية ولعبة تسجيل النقاط.

اليوم، ومع عودة الحديث عن استكمال المفاوضات، على لبنان بسلطته التنفيذية قراءة الوضع بواقعية، وتقييم هفواته منذ بدء المفاوضات لتاريخ اليوم، وعليه فإنّ التفاوض على ترسيم الحدود يجب أن يبدأ، وقبل الحديث عن الخطوط، من ثابتتين أساسيّتين:

- الأولى طلب وقف كافة الأنشطة المتعلقة بالثروة البترولية لحين الانتهاء من ترسيم الحدود، الأمر الذي سيشكّل ضغطاً اقتصادياً وسياسياً على إسرائيل، كونها على أبواب إنتاج الغاز من حقل "كاريش"، ولا يؤثّر هذا بالمقابل على لبنان كوننا لم نضع لغاية اليوم خطة استكشافية للبلوك رقم 9.

- الثانية الاتفاق على وضع إسرائيل المسوحات الزلزالية، والتي أجرتها في المنطقة المتنازع عليها، بتصرّف لبنان لتحليلها تمهيداً لمعرفة واقع مكامن الغاز في المنطقة المذكورة، إذ أن إسرائيل تحتل اليوم المنطقة البحرية الممتدة من الخط رقم 1 إلى الخط 23، وبالتالي الخط 29، وأجرت المسوحات الزلزالية لهذه المنطقة، في حين أن المسوحات الزلزالية التي أجراها لبنان وصلت فقط إلى محاذاة الخط رقم 1، ما يعني عملياً أننا لا نعلم التكوين الجيولوجي للمنطقة الممتدة من الخط رقم 1 إلى الخط رقم 23، وتلقائياً إلى الخط 29 المستجد، وبالتالي لا نعلم مكامن الغاز والنفط في هذه المنطقة المذكورة.

من هنا، وفي ظل غياب المعايير العالمية الموحدة للترسيم، كون القانون الدولي يعتمد أكثر من تقنية علمية، وفي ظل أن الترسيم يأتي في معظم القضايا توافقاً بين الأطراف وفق معادلة الحل المنصف win- win situation. ورغم أن تقنية الترسيم التي اعتمدها الجيش اللبناني هي التقنية الأصح والأكثر اعتماداً، تبقى هاتان الثابتتان المذكورتان الركن الأساس لحماية ثروة لبنان البترولية، وعلى لبنان عدم الانزلاق وراء هذا الخط أو ذاك، بل العمل للحصول على البيانات اللّازمة التي تسمح بمعرفة التكوين الجيولوجي للمنطقة المتنازع عليها، وبالتالي امتداد مكامن الغاز فيها، فيكون خط الحدود مطابق لهذا الامتداد درءاً للوقوع في فخ مكامن غاز مشتركة.

هاتان الثابتتان أشار إليهما الحزب التقدمي الإشتراكي منذ بداية الحديث عن عقد مفاوضات ترسيم الحدود خلال هذه المفاوضات وبعدها، في حين أن بعض الأطراف السياسية، ومن لفّ لفيفها من بعض الخبراء النفطيين، أمعنوا في صرف النظر عن هاتين الثابتتين اللتين تحميان، عملياً وفعلياً، ثروتنا البترولية، وأشاعوا أن المرسوم هو خشبة الخلاص ومجرد تعديله يجعل من حقل "كاريش" والحقول الواقعة شماله حقولاً متنازعاً عليها، وهو الأمر غير الواقعي وغير القانوني، إذ أن قانون البحار واجتهاد محكمة البحار، ومحكمة العدل الدولية، أقرّا بأنه لجعل حقل ما موضع نزاع يجب على الدولة التي تدّعي حقوقاً عليه أن تقدّم بوجه الدولة المعتدية اعتراضاً رسمياً على أعمالها وطلب وقفها. وتميّز هذه الاجتهادات بين مراحل استكشاف واستخراج الثروة البترولية، فتعتبر أن الاعتراض المذكور أعلاه يجب أن يقدّم خلال مراحل الاستكشاف، وأن أي تأخير في تقديمه يعتبر بمثابة تنازل الدولة المدعية حقوقاً عن هذه الحقوق.

 من هنا، وفي حالة البلوكات جنوب الحدود اللبنانية، كان على لبنان عبر وزارة الخارجية الاعتراض على كافة الأعمال التي كانت تحدث منذ العام 2013، ليس فقط لاحتمال أن تكون مكامن الغاز هذه ضمن الحدود اللبنانية، إنما لأن العلم البترولي ينص على أن عمليات الحفر في البلوكات الحدودية من قبل الدولة المحاذية منفردة يمكن أن تؤدي إلى نسف المكمن الحدودي وعدم تمكين الدولة الأخرى من استثمار ثروتها. من هنا وللأسباب المبيّنة، ودون الحاجة لتعديل مرسوم الترسيم رقم 6433، على لبنان تقديم الاعتراض المذكور أعلاه بواسطة وزارة الخارجية، أو مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة، وهذا هو  موقف الحزب الذي عبّر عنه منذ سنتين، ومجدداً منذ 7 أشهر، عند بدء المفاوضات غير المباشرة، وفي تصاريح ومواقف نواب اللقاء الديمقراطي.

أما فيما يتعلق بمسألة تعديل المرسوم رقم 6433، هذا المرسوم الذي وضع حدود لبنان البحرية وفقاً للخط رقم 23، والذي وقّعه في حينه وزير الأشغال، الرفيق غازي العريضي، وأضيف إليه بفضل العريضي البند 3 الذي جعل من الخط 23 خطاً مؤقتاً - غير نهائي - قابلاً للتغيير في حال طرأت معطيات جديدة، وذلك استشرافاً منه للبيوعات السياسيّة التي كانت تقدّم للدول الإقليمية وغير الإقليمية منذ ذاك الوقت. هذا البند يسمح للبنان اليوم بالتفاوض وكسب النقاط في ترسيم حدوده البحرية، والذي يجعل من المرسوم المذكور قابلاً للتعديل. إنما هل فعلاً عملية استكمال المفاوضات، ومسألة الحفاظ على ثروة لبنان البترولية، مرتبطتان حصراً، وتنطلق فقط من خطوة تعديل المرسوم؟ الجواب بالتأكيد " كلا " للأسباب التالية:

أولاً: إن إيداع لبنان إحداثياته لدى الأمم المتحدة لا يلزمه قانوناً، لأنه لا يمكن لدولة ترسيم حدودها دون موافقة الدولة المجاورة على الإحداثيات، وبما أن العدو الإسرائيلي وقبرص لم يوافقا على إحداثيات الخط 23 فإنّ ذلك يعني أن الخط 23 لا يلزم لبنان.

ثانياً: إن الخط رقم 23، وكما ذكرت أعلاه قابلٌ للتعديل التلقائي عند تبيان لبنان معطيات جديدة، الأمر الذي حصل عندما اعتمد لبنان رسمياً في مفاوضاته الخط 29 بدل الخط 23.

ثالثاً : إن إبلاغ الأمم المتحدة بإحداثيات الخط 29 الذي اعتمدناه لترسيم حدودنا يمكن أن يأتي بأي شكل، إن كان بمرسوم أو بمجرد رسالة بواسطة وزير الخارجية، أو مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة، إذ أن الأمم المتحدة لا يمكنها أن تلزم أو تفرض على أي دولة استناد قانون معين لمراسلتها غير ختم الدولة. 

هذه الأسباب تبيّن أن التركيز الذي حصل من قبل فريق سياسي محدد وبعض الخبراء حول تعديل المرسوم هو في الظاهر مجرد تهويل وتخويف للّبنانيين على حقوقهم لإيهامهم بأنهم الحريصون على ثروة لبنان والمنقذون لها، في حين، وكما سبق وظهر في متن هذا المقال، أنّ هذه الحماية، وهذا الإنقاذ، يأتيان بإجراء واحد هو "الاعتراض" على أعمال العدو الإسرائيلي أمام المراجع الدولية، وطلب إيقاف أعماله.

وكل ما جرى إنما هو في الجوهر ورقة سياسية يلعبها هذا الفريق بعينه ليفاوض عليها، والدليل الأول على ذلك يكمن في وضعه الحجج الواهية لتبرير تهرّبه من توقيع تعديل المرسوم قبل زيارة دي?يد هايل إلى بيروت، والدليل الثاني يكمن في عودة المفاوضات الأسبوع المقبل دون تعديل المرسوم وكأنّ شيئًا لم يكن.

هذه اللعبة والمماحكة استشرفها الحزب منذ 7 أشهر وعبّر عنها رئيس الحزب وليد جنبلاط، فنحن لم نعارض تعديل المرسوم، بل قلنا للفريق السياسي المذكور، "إنّ لعبتكم مكشوفة، والخاسر الأول منها هو لبنان". وتعود الوقائع لتثبت في ذكرى تأسيس الحزب أن الحزب التقدمي الإشتراكي هو الحريص على لبنان الكيان، وعلى حقوق اللبنانيين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على أمل أن يحذو الأفرقاء السياسيّون حذونا ليصبح الوطن بخير.

*عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي