Advertise here

الحربُ

25 نيسان 2021 14:25:00 - آخر تحديث: 26 نيسان 2021 15:46:00

الحربُ متوّقدةٌ. الحربُ صراعٌ بينَ الإنسانِ ونفسِه. بينَ الإنسانِ وواقعِه. بينَ الأمسِ والغدِ. بينَ النبتةِ الطّريّةِ والعاصفةِ الهوجاءِ. بينَ الكبيرِ والصّغيرِ. بينَ الرّئيسِ والمرؤوسِ. حربُ كلامٍ، حربُ سلامٍ. حربُ آلامٍ. قلقٌ عاصفٌ. شوقٌ جارفٌ. غدٌ مُترَقّبٌ. 

موتُ الإنسانِ نتيجةَ طعنِه الجسديِّ موتٌ نراه، بينَما موتُه نتيجةَ طعنِ الذّاتِ موتٌ لا نراه! متى نعي أنَّ المديةَ الّتي تعملُ في النّفوسِ تدمي أكثرَ ممّا يدمي الحسامُ المسلولُ؟

 الأطفالُ أنفسُهم يعيشونَ حرباً وصراعاً، فلا يوليهم الأهلُ الاهتمامَ الكافيَ، ولا يستوعبونَ مشاكلَهم وقضاياهم، فالأولياءُ منشغلونَ بهمومِهم. العجائزُ يقتلونَ الوقتَ، ويلوكونَ الفراغَ لأنَّ أبناءَهم في غربةٍ عنْهم والأبناءُ في غربةٍ عنْ أنفسِهم.

 أوَليسَ الكلامُ الجارحُ حرباً؟! أوَليسَ السّلامُ الحارُّ عصفاً؟!

 لنْ تخمدَ نارُ الحربِ طالما في الفضاءِ نسرٌ، وفي الغابِ غرابٌ، وفي البحرِ سمكُ قرشٍ. لنْ تخمدَ النّارُ طالما يعيشُ الحقدُ في الأفئدةِ ويغذّيها. لنْ تستقرَّ النّفوسُ ما زالَتِ الرّيحُ العاتيةُ تواجهُ السّنديانةَ العتيقةَ بمثلِ ما تسلِّمُ على البنفسجةِ الخجولِ. هذا جارٌّ يعلنُ الحربَ على جارِه، وتلكَ دارٌ تصدّعَتْ جدرانُها لوجودِ النّوايا  الخبيثةِ، وذاكَ قصرٌ اهتزَّتْ مداميكُهُ غدراً وطعناً وسفكاً.

 بعدَ ذلكَ تسألُني: هلْ توقّفَتْ حربُ الدّولِ؟ فلمَ لا نؤمنُ أنَّ السّلامَ هدنةٌ بينَ حربينِ، وأنَّ الحروبَ مشتعلةٌ إلى الأزلِ مهما طالَ بالسّلامِ الأملُ؟

 متى كانَ المدفعُ يخيفُ؟ فالشّعبُ يتعطّشُ إلى الموتِ، إلى ملاقاةِ الهدوءِ بعدَ أنْ عصفَتْ بِهِ المدنيّةُ، والتهمَتْ سعادتَهُ، فغدا يهرولُ وراءَ الرّغيفِ والرّغيفُ يسبقُه على الطّريقِ، طريقِ الجوعِ والحرمانِ.

 متى كانَتِ القذيفةُ تصعقُ؟ ها هيَ تنطفئُ. فالأفواهُ الجائعةُ تزعقُ ولا تخرسُ، والعقولُ النّيّرةُ اضمحلَّ وقدُها معَ اشتعالِ البطونِ المتضوّرةِ جوعاً.

 فلْتكنِ الحربُ الّتي نعرفُها، ولْتحرقِ التّشرذمَ والتّفرقةَ، ولْتسحقِ الألمَ والكراهيةَ، ولْتشعلِ الهممَ الملتهبةَ والأفئدةَ المعتصرةَ كمداً لمعانقةِ الرّوحِ الكليّةِ.
 

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".