Advertise here

أي حكومة نريد وأي عقلانية

24 نيسان 2021 14:21:05

نسطّر في عقولنا حكايات عديدة ومنها حكايات الأمل التي تهزم فينا اليأس وتنتصر العقلانية...

إذا كان لك عقل، كان لك فضل...

قصة من كتاب "الناس أجناس" لشيخ الأدب الشعبي اللبناني سلام الراسي، والتي وردت مُقاربة له تحاكي الوضع السياسي في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، وتأليف حكومة إنقاذٍ وطني.

علّق سلام الراسي وقتها على هذا الحدث حيث قال: يحكى أن السلطان عبد الحميد الثاني العثماني طلب يوماً أن يؤتى إليه بمهندسٍ موثوقٍ بعلمه وأمانته. وجيء إليه بمهندسٍ أرمني، فعهد إليه بهدم إحدى السرايات القديمة، وإنشاء سرايا جديدة في مكانها.
بعد الانتهاء من تشييد هذه السرايا  استدعاه السلطان، وقال له: عندما كنتَ تهدم السرايا القديمة، كُنتَ تستخدم عمالاً من فئةٍ معيّنة بأسماء معيّنة. ولمّا بدأتَ بناء السرايا الجديدة، أحضرتَ عُمالاً من فئة أُخرى بأسماء أُخرى. فلماذا استبدلتَ عمالاً بعمال آخرين؟؟!!

ردّ المهندس الأرمني بجوابٍ هادئ:  
"ناس للتدمير وناس للتعمير. ومَن يصلح للتدمير، لا يصلح للتعمير".
قيل إنّ عبد الحميد أُعجبَ بحكمة المهندس الأرمني وعيّنه وزيراً.


 سلام الراسي الذي اشتُهر بفطنته وبُعد نظره، يختم مقاربته حينها قائلاً: نحن نقول لحكومة الإنقاذ الوطني "لا تسويات وأنصاف حلول بعد الآن، ولا يجوز أن يتولى الذين دمّروا الوطن إعادة تعميره، لأنّ من يصلح للتدمير لا يصلح للتعمير".

رحم الله سلام الراسي الذي تنبّأ بمأساة لبنان السياسية المستمرة من سنوات طويلة، والحبل على الجرار إلى ما شاء الله.

ملاحظة للأمانة: مع احترامنا لبعض الوزراء، والمدراء العامّين، والذين كانوا فخراً للدولة والشأن العام بنزاهتهم وأخلاقهم، وأنّه لا يجوز أن يُقال "كلن يعني كلن"، يفتقد لبنان إلى بعض رجالات دولة، لا رجالات سياسة: الأولون نُدرة يصنعون تاريخ الأيام الآتية، والآخرون كُثُر يحصون الأيام والمكاسب الذاتية والأنانية، والبعض يقول "ما طلع بإيدنا".

وكل مَن يتابع الوقائع اليومية للتراشق السياسي يلاحظ مدى تدني مستوى النقاش إلى حد الانطباع بالطغيان، والكيدية، والتعالي، وباستكبار، وأهمّها أن السياسيين لم يهجروا مماحكاتهم اللفظية، وما تواجهوا في عمق الأمور، مفضّلين الزجل عن بعد، بدل استرضاء التاريخ بإنجاز يفرض إنجازاتهم على المستقبل. كيف لا وهم استقالوا من مسؤولياتهم السياسية والوطنية والمطلبية المتوجّبة عليهم، بل نسوا أو تناسوا منذ وقفوا متفرجين، لا أكثر، على سلسلة المآسي الاجتماعية والمعيشية والمستمرة بالتفاقم.

فأياً كان، ومهما كانت طبيعة عمله، أصابته سهام الكارثة الاقتصادية التي أسهمت بتفاقم تهاوي العملة الوطنية، والتضخم النقدي. هذا ما نسمعه من الخبراء الاقتصاديين، أمّا ما نعرفه نحن فهو أنّه تعميق إفقار اللبنانيين بتجويعهم وتيئيسهم.

لم تبقَ دولة في العالم إلّا وأبدت، وقدّمت، مبادرات لتشكيل الحكومة، لكنّ الشعب اللبناني ينتظر معجزة ولادة الحكومة، وأي حكومة؟؟!!... وللأسف، "البلد كلو معطّل، وبدهم الثلث المعطّل..."

نسأل ونُسأل، هل سيسلك الوطن درب الخلاص من بئر الأزمات المتراكمة والمفتعلة؟؟!!...

 وبرغم مؤشراتٍ كثيرة تعاند هذا التشاؤول، وعلى صوت مطاحن التسويات، والمبادرات، والمبادلات، التي تدور وتدور، لكن الشعب لا يرى ولا يسمع من ذلك إلا الضجيج، ولا يصله طحين، وأي طحين، أو كأنما الغاية من إثارتها تكتيك سياسي على مقاس زاروب لا يتلمس منطقَ بناء مفهوم مشىروع دولة بقواعد علم السياسة، بل هي نكايات الزواريب الهادفة للكراسي والمواقع.

اللّهم عجّل لنا بالفرج في كل شِدّة تمرّ علينا.
ويا من لا يزال، وسيبقى، باب عطائه مفتوحاً... اللهم نستودعك وطننا وشعبه وعقلانيّته.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".