منذ أن وصلت أولى طلائع أسراب الجراد إلى البقاع، استنفرت أجهزة الدولة لمواجهة الحشرة الموسمية. فقد نظّمت قيادة الجيش، وبالتنسيق مع وزارة الزراعة، طلعات جوية لطوافات من أجل رش المبيدات الحشرية في المناطق التي وصل إليها السرب.
إلّا أن وصول أعدادٍ قليلة من الجراد هو أمر موسمي، أما مكافحة وصول أسراب كبيرة وكثيرة، فيحتاج إلى استراتيجية طويلة الأمد يجب أن تعمل عليها وزارة الزراعة، بالتعاون مع وزارة الصحة وخبراء زراعيين، لضمان مواجهة الانتشار دون إحداث أي ضرر على الزراعات والتربة أو الإنسان. إلّا أنه، وكما يغيب التخطيط عن مختلف سياسات الدولة، فهو يغيب أيضاً عن مكافحة الجراد.
خبير الشؤون البيئية والغذائية في جميعة حماية المستهلك، جوزيف الصايغ، أشار إلى أن، "مكافحة حشرة الجراد تتم عبر استخدام الزيوت الطبيعية المختصة، والتي يتم رشّها ضمن مساحات ضيّقة، وتؤدّي إلى مكافحة الجراد دون أي تأثير جانبي على الزراعات أو التربة. أما رش المبيدات، وهي الطريقة التي يتم تطبيقها، فهي ليست الأمثل، لا بل يمكن أن تحمل مخاطر عديدة على الإنسان وبشكل مباشر".
ولفت الصايغ في حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية إلى أن، "لا معلومات حول طبيعة المواد التي يجري التعامل بها، إلّا أنها قد تحمل سموماً تسبب عوارض سريرية مشابهة لتلك التي يسببها فيروس كورونا في حال تم استنشاقها من قِبل الإنسان، كضيق التنفس والإلتهابات وغيرها"، موضحاً أنه، "جرى سابقاً رش هذه السموم، وهي من الفوسفات العضوي، كالـDDT، والـChlorpyrifos، والتي تؤثر بشكل مباشر على الإنسان وتسبب له العوارض المذكورة آنفاً، كما وتؤذي التربة والزراعات، ولمدة تصل إلى أكثر من عشرين عاماً، وبالتالي تسبب ضرراً إضافياً على صحة المواطن من خلال المزروعات والمحصول".
وفي هذا الإطار، حذّر الصايغ من أن "استخدام هذه المواد السامة لا ينفع في القضاء على الجراد، وبالتالي يؤذي الإنسان دون أي منفعة، وهذا ما أثبتته الدراسات. كما وأن الرش يجري بشكل عشوائي، وبطريقة واسعة جداً، علماً أن المناطق الزراعية في لبنان تتداخل مع المناطق السكنية ما يزيد من الخطر، بالإضافة إلى أن الرياح قد تحمل هذه السموم مسافة تصل إلى 30 كلم".
وحول الأساليب المجدية التي وجب اتّباعها، ذكر الصايغ بأن "الزيوت الطبيعية هي الحل الأسرع عند حدوث أي طارئ، في حال توجّهت أسراب كبيرة وكثيرة وباغتتنا. أما وفي الحالات الطبيعية، فإن وضع خطّة علمية بين وزارتي الصحة والزراعة وخبراء زراعيين هو الحل الأنسب، على أن تتم المعالجة بالطرق الطبيعية، عبر الحشرات والحيوانات التي تأكل الجراد دون أن تترك خلفها أي ضرر جانبي، علماً أن السموم المستخدمة تقتل هذه الحيوانات أيضاً. الطبيعة تقوم على التوازن البيئي دون استخدام أي من المواد الكيميائية".
المديرة التنفيذية لجمعية الصحة والبيئة اللبنانية"HEAL"، الدكتورة رولا بصبوص، لفتت في حديث مع "الأنباء" إلى أن "الاستراتيجية المذكورة تقوم على خطوات محددة، وهي التخلي عن المبيدات والكيميائيات، كما والمحافظة على الطيور لصون التوازن البيئي، بالإضافة إلى الاعتماد على الدجاج والبط ذات التلقيح الطبيعي وتربيتهم في الطبيعة بدل المزارع بهدف الحفاظ على التوازن المذكور، والتي بدورها تأكل الحشرات المضرّة بالزرع. فالصين إتبعت هذه الطريقة ونجحت، ومن ثم ارسلت 30 الف دجاجة الى باكستان لنفس الغاية".
مصادر متابعة لهذا الشأن أشارت في اتّصال مع "الأنباء" إلى أن "مادة الـDDT مُنع تصنيعها أو استخدامها، كما أن وزارة الزراعة منعت التداول بها أو استيرادها، ومادة الـChlorpyrifos غير موجودة أساساً في لبنان، وبالتالي فإن استخدام هذه المواد أمر مستبعد، كما أن وزارة الزراعة لا تستخدمها نسبةً لخطورتها، علماً أنه من المفترض أن تكون هناك لجنة علمية تدرس خصائص الأدوية والمبيدات التي يتم التعامل بها".
وحول خطورة السرب الموجود على الزراعة، واحتمالية قدوم أسراب أخرى وأكبر في وقت قريب، لفتت المصادر إلى أن، "الأمر لا زال عند بدايته، وكل ما يُحكى اليوم يصب في خانة التكهّنات، ومن غير المعلوم بعد إمكانية وصول أسراب أخرى".