Advertise here

إبداعات أصحاب السوابق

19 نيسان 2021 14:47:03

كل مرة نقول: ليس ثمة أبشع من هذا المشهد في لبنان. لكن المسؤولين فيه وعنه أمام الناس والتاريخ يفاجئوننا ويقدّمون عرضاً جديداً من إبداعاتهم  في البراعة في إنتاج البشاعة تلو الأخرى. لذلك نقول: ما يجري في القضاء اليوم هو الأبشع حتى الآن!! قد يحصل أبشع منه في القضاء وفي غيره من المؤسسات، وفي مسلسلات تشكيل الحكومة، وفي تجاوز حدود السلطة واستغلالها، وقلة هم الأبرياء من هذه الجريمة. 

وإذا كان أساس الملك العدل فقد هزّوا الأساس وأساؤوا الى الملك باستباحتهم العدل. لم يحصل في تاريخ الحرب الأهلية، وعهود الميليشيات في مؤسسات الدولة ما يحصل اليوم!! لم يحصل بعد الحرب أيضاً، لكنهم عن قصد أو غير قصد يشعلون حرباً في القضاء وعليه، والنتيجة القضاء عليه، وعلى الملك وعلى الأساس: لبنان!! 

مجموعة من أصحاب السوابق يكرّسون سوابق جديدة وإضافية. مجموعة من الموتورين الحاقدين العبثيين الذين لا يقيمون اعتباراً لعلم وقانون ودستور. عاشوا ويعيشون على أساس أن العلم والقوانين والدساتير كلها في خدمتهم. وعاثوا ويعيثون فساداً في ممارساتهم واستباحاتهم المفتوحة لكل القيم والأنظمة والأصول. ويفاخرون أنهم يدافعون عن الناس وحقوقهم وأنهم أنقياء أتقياء أبرياء أوفياء للرسالة والقسم والقيم  فيما هم يستبيحون حرمة الحياء!!

ما هذا؟؟ في الأنظمة الدكتاتورية التسلطية الواقع معروف. النهج معروف. الممارسات معروفة. كل شيئ في خدمة "القائد الخالد" "والرئيس العظيم"  "والحزب الأعظم" والمخابرات المتنوعة العظيمة التي تشرف على كل شيئ وتدير كل شيئ. لكن هم يحتفلون بمئوية لبنان الكبير، لبنان التنوّع والحرية والديموقراطية والعلم والحضارة والنور وال "ستة آلاف سنة" كما يقولون، ويرتكبون بحق هذا  "اللبنان" وتلك القيم الجرم الكبير!! 

لا. كل شيئ كان متوقعاً إلا هذا المشهد. واليوم بتنا نتوقع كل شيئ. لم يعد ثمة قوانين، فبماذا يعدون الناس بل ماذا يعدّون للناس بعد؟؟ إنه الفجور والعهر في ممارسة السلطة، ومحاولات القهر عن سابق تصور وتصميم لكل من يحاسب مخالفاً أو مرتكباً أو فاسداً. كأنهم يقولون لك في مواقع كثيرة من مواقع القرار في لبنان: "انت لا تحاسب على الخيانة  بل تحاسب على الأمانة"!! هذه هي عقولهم. هذه هي وعودهم الكاذبة للناس، هذا هو حقدهم ونكدهم وأنانيتهم وتهوّرهم. هذا هو قسمهم. وهذا ما جمعهم في مرحلة وما فرقهم في مرحلة أخرى. وفي المرحلتين يدفع اللبنانيون الثمن. لسنوات ونحن نطالب باستقلال القضاء. ومنذ سنوات وشعارهم وممارساتهم: استغلال القضاء. والاعتداء على أبرياء وبشتى أنواع الشائعات والاتهامات ودعوة الناس الى  "الإقتداء بهم"!!

إنه السقوط المدوّي للعقل والمنطق والعدل والدولة، والفوضى الشاملة، وليس ثمة تبرير لأي موظف في أي موقع كان أن يخالف قانوناً أو صلاحية فكيف تأتي حماية المخالفين من قبل الذين يتحدثون عن الدستور والقانون والصلاحيات؟؟ 

لست في موقع الدفاع عن أحد من المعنيين بالمشكلة الأخيرة في القضاء. أي قاض يلبي طلباً سياسياً يدين نفسه ويدين معه من طلب منه واليه تنفيذ رغبة ما!!

القضاء هيبة. والقاضي هو الهيبة. بطلته وضميره ومعياره الوحيد القانون. هذا إذا كنا مصرّين على بناء دولة عدل وقانون. وهذا يستوجب وجود رجال كبار يتمتعون بضمير كبير. 

لا يحق لقاض رفض قرار رئيسه. أياً يكن الرئيس. وأياً تكن صفاته وممارساته، وأياً يكن مستوى التزامه بأمانة مسؤوليته. وأكرر لست هنا لأدافع عن أحد. ولكن ما جرى بعث الرسالة التالية: أي مسؤول، أي رئيس، ووزير، ومدير، ورئيس مصلحة، ورئيس دائرة، وصاحب قرار، في أي مؤسسة لديه قوة أساسية بين يديه متجاوزاً القانون – وهنا الفضيحة – بإمكانه أن يأتي بطائفته أو حزبه أو أنصاره أو عائلته أو جماعته ليرفض تنفيذ قرار أو يفرض تنفيذ آخر، هذا لم يحصل في الجاهلية أو في الكهوف او في سياسة القبائل والعشائر. بل لم يحصل في شريعة الغاب. إنهم في لبنان يحولونه الى غاب بلا شريعة كما كان يسمي ذلك المعلم الشهيد كمال جنبلاط ويحذر من خطره. استمرار الحال على هذا المنوال سيجعلنا أمام مشهد حروب مذهبية وطائفية وعائلية وحزبية وقبلية وعشائرية أمام المقرات الرسمية في لبنان. 

القانون هو الفيصل. لكن ال 6 و 6 مكرر على ارتكاب الخطيئة والجريمة لتكريس التوازن والتعاون بين السلطات، وحماية الحقوق، هو "القانون" الذي يمارس على أساسه  هؤلاء المتمترسون وراء "المواقع الكبيرة" فيخوضون "المعارك الصغيرة" ويدمرون لبنان!! 

إنها إبداعات أصحاب السوابق.