حجّ سياسي إلى الخارج... و"صفر سياسة" في الداخل
19 أبريل 2021
11:04
Article Content
تحل الوفود العربية والاجنبية في بيروت وتتهافت القيادات اللبنانية على السفر الى الخارج وعرض معضلات ازمة تأليف الحكومة مع المشكلات والازمات المعيشية والمالية التي ينشغل بها المواطنون، والنتيجة: لا شيء يمكن الافادة منه أوالتعويل عليه بعد كل هذا السيل من اللقاءات والزيارات منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الى اليوم. وباتت جميع الدوائر الديبلوماسية، من اكبرها الى اصغرها، تعرف حقيقة الداء اللبناني المستفحل في صفوف الطبقة السياسية وعنادها وتعطيل المؤسسات، ولو استمر اللبنانيون في طوابير الاذلال على ابواب المصارف ومحطات الوقود والافران والمستشفيات...
ومن غير المستغرب ان يخلص المعنيون الى نتيجة مفادها: "صفر سياسة" من جراء المراوحة في التصريحات حيال الحكومة وشكلها والدخول في لعبة الثلث المعطل واستشراف المرحلة المقبلة بعد تأليف الحكومة، وانعكاس هذا التطور في حال حصوله على الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين على مشارف الدخول في السنة الاخيرة من ولاية المجلس وعهد الرئيس ميشال عون. ولم تعد الدوائر المعنية في العواصم تحتاج الى الاستماع الى اللبنانيين وتقديمهم شروحات لها عن الاحوال التي وصل اليها البلد في وقت يرتفع معدل السفر الى دول مؤثرة في حجم روسيا. وبات الحج السياسي الى موسكو يذكّر البعض بالرحلات السياسية اليومية الى دمشق قبل العام 2005، مع فارق في موقع كل من العاصمتين وتأثير كل منهما على المشهد اللبناني اليوم. وتتابع العيون الاميركية الاقبال اللبناني على الروس وطلب ادخالهم في قلب اللعبة اللبنانية التي تحركها رزمة من الاصابع المحلية والخارجية.
قيل الكثير في زيارة الحريري الى موسكو، فقد حقق الرجل جملة من النقاط من خلال توقيتها اولا لأنها جاءت في خضم الكباش السياسي المتبادل في الداخل، وتحديدا بين فريقه وفريق رئيس الجمهورية. وتفيد اكثر من جهة ان حصيلة لقاءاته كانت ايجابية، فضلاً عن الاتصال الذي تم مع الرئيس فلاديمير بوتين، وخرج الرئيس المكلف مسروراً بنتائجها لانها جاءت على أعلى المستويات. وكانت المكالمة الهاتفية مع بوتين مهمة رغم ان البعض في لبنان حاول التقليل من اهميتها، خصوصاً انه لم يستقبل احداً في الآونة الاخيرة بسبب كابوس كورونا، ولم يكن من موعد محدد على برنامج الزيارة. وهذا ما تبلغه مستشار الحريري جورج شعبان. من هنا يعتبر الرئيس المكلف ان زيارته كانت ناجحة وتؤكد اهتمام الروس بلبنان. وهو لمس ان لا مبادرة روسية لكن موسكو تضع جهودها مع مجموعة من الدول مثل مصر والامارات العربية المتحدة من أجل تسهيل تأليف الحكومة وبالتنسيق مع الفرنسيين.
بعد زيارته الى موسكو، يتحضّر الحريري للسفر الى الفاتيكان ولقاء البابا فرنسيس في 22 الجاري والاجتماع مع كبار المسؤولين، فيما يستعد رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل للحلول في موسكو في 29 نيسان ولقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه المتابع الجيد للملف اللبناني ميخائيل بوغدانوف، الذي سأل في إحدى المرات عما يحدث على طريق خلدة - الناعمة، وهو يتابع في الوقت نفسه مسار مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع اسرائيل. ويهتم باسيل بهذه الزيارة إذ ستكون الاولى له بعد العقوبات الاميركية التي طاولته واصابت سهامها عصبه السياسي. وسيواصل محاولاته وبذل الجهود لانتزاع هذه السهام، اقله قبل استحقاق الرئاسة الاولى، ليتفرغ اكثر لمعركة الانتخابات النيابية. وسيشرح باسيل للروس وجهة نظره من كل ما يرافق التأليف، اضافة الى تصوره الاقتصادي والخروج من الازمة التي يعيشها البلد، وسيفنّد كل المعلومات التي تُنقل عنه. وسيسأله الروس بالطبع عن ماهية الثلث المعطل مع معرفته المسبقة بتمسك موسكو بالحريري شأن اكثر من عاصمة معنية بلبنان ولا ترى بديلا منه. وسبق لموسكو ان تبلغت من وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف موقف طهران بعدم حصول اي طرف على هذا الثلث. ويستمر الحريري في محاولاته مع الروس وسواهم ليتدخل "حزب الله" اكثر ويمارس ضغوطا اكبر على الفريق العوني بغية الافراج سريعا عن التشكيلة الحكومية.
وسيتبع الحريري في هذه الرحلات رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط الذي "يعشق" السير في الساحة الحمراء في موسكو منذ ايام السوفيات. ويعمل الجميع على الانفتاح عليها، وهم يعرفون ان القضايا الكبرى لا تُحلّ الا بتوقيع نهائي بين موسكو وواشنطن. وابلغ مثال على ذلك بت مصير النازحين السوريين في لبنان والمنطقة.
ويأتي انفتاح الروس على القيادات اللبنانية ليس من اجل الاسراع في ولادة حكومتهم فحسب، بل لانهم يخشون انفلات الوضع وانزلاقه الى الانهيار والفوضى التي ستمتد شراراتها الى سوريا، ولا سيما قبيل تثبيت الرئيس بشار الاسد في سدة الرئاسة لولاية اخرى، ويعتبرون ان ما يمر به لبنان ليس أزمة حكم بل أزمة وجود.