Advertise here

صليبا للأنباء: السجون هيكلٌ وسيسقط فوق رؤوس الجميع في وقت لن ينفع فيه الندم

الاكتظاظ وكورونا يحوّلان السجون الى قنبلة موقوتة... والغذاء جديد الأزمات

09 نيسان 2021 11:51:38

في سجن الباستوي النرويجي، يتمتّع السجناء بكافة الخدمات، فهم يدرسون ويتعلمون في غرفٍ مجهزة بأحدث وسائل التعليم، كما يختارون ما يناسبهم من أنشطةٍ زراعية لإمتهانها وإتقانها بعد إتمام ورش عمل مهنية للتطوير والتدريب. أما في سجن ارانخويث الأسباني، يمكن للسجناء التمتع بوقت مع ذويهم وعائلاتهم في غرف مؤهّلة، بالإضافة إلى وجود حضانات لرعاية الأطفال علمياً ونفسياً خلال فترة عقوبة الأم. وهكذا دواليك، حال السجون في الدول المتطورة التي تفقه أهمية تطوير قدرات السجناء أثناء فترة حكمهم في سبيل تطوير المجتمع.

السجن ليس مكاناً للإنتقام، ولا هو المصير الأخير. بل يجسّد المرحلة التي يدرك المرء فيها الخطأ الذي إقترفه، ويعمل على تطوير قدراته العقلية والجسدية، ليعود إنساناً فاعلاً ضمن مجتمعه. تتيح العديد من السجون في الدول المتقدمة الفرصة للقراءة ومتابعة الدراسة، كما وممارسة الرياضة، في حين أن سجون دول العالم النامي، ومنها لبنان، فهي لا تزيد النزلاء إلّا إجراماً جراء الظلم الذي يلحق بهم والظروف الصعبة التي يختبرونها أثناء قضاء محكوميتهم.

سجن رومية هو أكبر السجون في لبنان. يتّسع لـ1500 سجين، ويضم حالياً أضعاف سعته. الإكتظاظ الحاصل، بالإضافة إلى الإهمال وسوء الإدارة حوّلوه من مكان نزولٍ للسجناء إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت، وتشكل خطراً على المجتمع اللبناني بأسره.

أشارت رئيسة جمعية "نضال لأجل الإنسان" ريما صليبا إلى أن "مسؤولية إدارة السجون، والواقعة على عاتق وزارة الداخلية - المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي - حالياً، هي من مسؤولية وزارة العدل أساساً، في حين أن واجبات القوى الأمنية يجب أن لا تتعدى حدود تأمين الحماية والحراسة للسجناء. لكن وزراء العدل المتعاقبين وتهرباً من المسؤولية رموها على عاتق الأمن الداخلي".

ولفتت صليبا في حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية إلى أن "إدارة السجون عبارة عن برنامج كامل متكامل، إذ يجب تدريب خبراء وأخصائيين نفسيين وصحيين واجتماعيين لمتابعة أمور السجناء منذ دخولهم، بهدف تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع من جهة وصون حقوق الإنسان التي يتمتع بها كل شخص من جهة أخرى. لكن في لبنان، ومع إهمال وزارة العدل ووزارات أخرى كالصحة والتربية والشؤون الاجتماعية لواجباتها، يفتقد السجناء للمتابعة اللازمة. صحيح أن قسم حقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلي يقوم بتدريب العناصر للتعامل مع المساجين، لكن في معظم الأحيان، يجري نقل هؤلاء العناصر للعمل في نطاق آخر غير إدارة السجون، فيتم تعويض النقص بآخرين غير مدربين على الاهتمام بنزلاء السجون".

وتابعت: "لبنان لا يحترم بروتوكول "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء"، والذي أوصى به مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، وهو لم يوقّع فقط على معاهدات تحفظ حقوق الإنسان، انما كان من مؤسسي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكن وبسبب الإهمال وسوء الإدارة، يغيب المعنيون عن هذا الاعلان كما عن اتفاقيات وبروتوكولات أخرى، وبالتالي تُنتهك حقوق السجناء".

الاكتظاظ في سجن رومية وغيره من السجون هو مشكلة أساسية، وبحسب صليبا، فإن "ذلك يعود إلى أسباب عديدة، منها توقيف المساجين لفترات طويلة قبل اصدار الاحكام نتيجة بطء سير المحاكمات، أو الإبقاء على المساجين الذين أتموا فترة حكمهم، بداعي عدم دفعهم الغرامات المالية المتوجّبة عليهم، وبالتالي يقبع في سجن وغيره بما يفوق طاقة هذه السجون بمرات، بدون ان ننسى الزنزانات التي يودع بها سجناء لفترات طويلة جداً بقرارات قضائية مخالفة للقانون، ومع انتشار فيروس كورونا، ازدادت الأمور سوءاً وتعقيداً".

الحلول موجودة، فقد ذكرت صليبا أن "العفو العام هو أول الحلول، لكنه وحتى اليوم لم يتم إقراره لحسابات سياسية وطائفية، والمطلوب التخفيف من الاكتظاظ تدريجياً وعلى دفعات، عبر الإسراع بالمحاكمات، إذ من واجب وزارة العدل والقضاة تحمّل مسؤولياتهم، كما وعبر إخلاء سبيل السجناء الذين يعانون من أمراض مزمنة أو مستعصية غير قابلة للشفاء، خصوصاً كبار السن، إذ أن أعمارهم وحالاتهم الصحية لا تخوّلهم لأن يشكلوا أي خطر على الحياة العامة في حال خروجهم، بالإضافة إلى أن عدداً منهم يموت داخل السجن. أما وبما خص السجناء الذين يعانون من أمراض نفسية وعقلية، وتغيب عنهم المتابعة النفسية، فمن الضروري نقلهم إلى مراكز صحية مختصّة تهتم بهم إلى حين إتمام علاجهم".

وأضافت: "كما يمكن أن تتم محاكمة عدد من السجناء من خارج السجن، بالإضافة إلى إخلاء سبيل من قضى محكوميته ولم يستطع دفع الكفالة المالية. هذه جميعها اقتراحات عملية يمكن أن تخفف من الاكتظاظ بشكل تدريجي وملحوظ، وبدورها، عملت كتلة اللقاء الديمقراطي على تقديم اقتراحات قوانين، كان للجمعية أن اعدتها، إلى المجلس النيابي متعلّقة بهذا الخصوص، لكن البرلمان لم يقرها بعد".

ولفتت صليبا إلى الظروف القاسية التي يعانيها السجناء في رومية، "إذ أن الغذاء غير مؤمن بشكلٍ كافٍ وصحي، المياه غير نظيفة، البنى التحتية مهترئة، وهذا ينعكس سلباً على النزلاء الذين باتوا يختبرون وضعاً نفسياً قاسياً، يؤثر عليهم سلباً على الصعيد الصحي. جمعية نضال لأجل إنسان حاولت بالتنسيق مع ادارة السجون قدر المستطاع تأمين المستلزمات الضرورية، كمواد تعقيم وكمامات وغيرها، إلّا أن المسؤولية الأولى تقع على كاهل السلطة اللبنانية لا سيما وزارة العدل والقضاء".

أما في ما يتعلّق بالأزمة الغذائية التي طرأت مؤخراً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في "حانوت" السجن، وتراجع كميات الطعام المقدّمة من قبل إدارة السجون، فقد كشفت صليبا أن "قوى الأمن الداخلي حاولت التوصّل مع وزارة الاقتصاد إلى اتفاق يقضي بإدخال المواد المدعومة إلى الحوانيت، لكن للمحسوبيات والتلاعب مكانٌ في السجن أيضاً، بالإضافة إلى أن بعض النزلاء، الذين يغيب عنهم ذوهم، محرومون من شراء احتياجاتهم، وبالتالي لا يستحصلون إلّا على الوجبات المقدمة من إدارة السجن، وهي لا تكفي. أما اليوم،  فقد تراجعت كميات المواد المدعومة التي تدخل الحانوت، وقوى الأمن الداخلي ترفض طلب الأهالي السماح لهم إدخال المواد الغذائية لأبنائهم، بذريعة مكافحة تهريب المخدرات وغيرها إلى داخل حرم السجن".

في هذا السياق، تابعت صليبا، " تعمل نضال لأجل إنسان على تأمين المساعدات العينية للعديد من السجناء وأهاليهم في حين دأبت مؤخراً على شراء 3000 حبّة مسكن "Panadol"، بالإضافة إلى تأمين أقمشة لصناعة الكمامات داخل مبنى السجن، في حين أن وزارة الصحة كانت غائبة تماماً مع بدء انتشار الجائحة. تتكلّف إدارة السجون يومياً 12,000 ليرة على كل سجين حسب دراسة تم إجراؤها، أفليس من الأفضل تخفيف الاكتظاظ وبالتالي تخفيف الأعباء المالية؟ وإن كان تخفيف الاكتظاظ لا يجب أن يرتبط بمسألة الكلفة".

وأكّدت صليبا "علم رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب بكل ما يجري في سجن رومية، دون إجراء أي تحرك لإنقاذ الوضع، كما أن وفداً من الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان زار السجن دون أن يستمع الى السجناء الذي كانوا بانتظارهم لنقل شكاواهم لهم، بداعي ضيق الوقت، في حين أنها هيئة رسمية من واجباتها متابعة أمور السجناء والسماع لشكواهم والعمل على حل مشكلاتهم ورفع الظلم عنهم".

وختمت منبّهةً من أن "السجون هيكلٌ وسيسقط فوق رؤوس الجميع من سجناء ومسؤولين عن هذا الملف، في وقت لن ينفع فيه الندم. المطلوب تحرّك سريع".