Advertise here

هل حياد لبنان ممكـنٌ؟

07 نيسان 2021 09:00:00 - آخر تحديث: 07 نيسان 2021 12:03:02

منذ عقود طويلة ولبنان يعيش أزمة سياسية ترخي بظلالها على مختلف الاستحقاقات الداخلية. وبات من المعلوم أن لبنان أصبح ساحةً لتصفية حسابات إقليمية، وصندوق رسائل عربية ودولية. 

أمام كل هذه التعقيدات الداخلية والخارجية برزت فكرة الحياد كحلٍ لخلاص لبنان من تلك الأزمات. وعلى الرغم من النوايا الحسنة لأصحاب هذه الفكرة، إلّا أنّه ما كل ما يتمناه المرء يدركه، فالرياح الإقليمية والمحلية تجري بما لا تشتهي سفن الحياد.

ربما يتبادر إلى ذهن أصحاب نظرية الحياد التجربة السويسرية، ولكن من غير خلفياتها التاريخية. فالحياد السويسري لم يكن رحلةً سعيدة فدونه حروب قاسية خاضها هذا البلد مما دفع ساستها، وبإرادة واعية مشتركة، للمناداة بحياد بلدهم. وهنا الجوهر الذي يجب أن يستوقفنا. ومع ذلك، وبالرغم منه قطعت رحلة "الحياد السويسري" شوطاً طويلاً امتدّ من عام 1815 ولغاية العام 1920 حتى بات أمراً معترفاً به ومصاناً، ومن ثوابت العلاقات الدولية. 

إن حيادية أي دولة تستلزم تحقّق عاملين مجتمعين هما:

الأول: أن تكون دول الإقليم، ولا سيّما الأساس منها، مع دول الأقطاب الدولية مجمعةً على  هذا الحياد؛ وهذا لن يتأتى إلّا إذا كان يتقاطع مع مصالحها، أو يحقق حاجاتها كمتنفسٍ لحالات التوتر التي قد تنشأ فيما بينها.

الثاني: أن تكون أطراف الداخل مجمعةً على فكرة الحيادية باقتناعٍ كامل، وبرؤية سياسية، وخلفية من النوايا الحسنة.
هذان الاعتباران غير متوافرين في الواقع اللبناني، وبالتالي فإن فكرة حياد لبنان غير ممكنة إذا ما نظرنا إلى الاعتبـارات التالية:

1-   الواقع الجيو- سياسي للبنان الذي لا يُسمح له، في المدى المنظور على الأقل، أن يكون في منأى عن الصراعات التي تدور في الإقليم، وهي في الواقع "خيال الظل" لصراعاتٍ أخرى أبعد وأعمق، ولها صلة بالإمساك في المنطقة، وتناتش خيراتها، وأطرافها المباشرة معروفة وهي إيران، وإسرائيل، وتركيا. ولكن يبقى السر في الأطراف البعيدة الممسكة بالمفاتيح، أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، وفيما بينها كباش كبير على مستوى الكرة الأرضية ومن بينها الشرق الأوسط، أو ربما أهمّها بحكم نفطه، وموقعه الجغرافي الحسّاس، وبالتالي فإنّ منطقتنا في صراعٍ مفتوحٍ حتى إشعارٍ آخر. 

2-   لبنان لا يملك القدرات اللّازمة للدفاع عن حياده، لا من حيث الإمكانية العسكرية والاقتصادية، ولا من حيث الحصانة الداخلية. وحيث تشهد البلاد انقسامات حادة ليس على خلفيات منهجية تتصل بالداخل، بل على خلفيات استقطابية لهذا المحور أو ذاك.

3-  إنّ وجود (إسرائيل) بمضمونها العنصري، وفكرها الصهيوني التوسعي، يضع لبنان في حالة قلق، متذكرين أطماعها في مصادر مياهه، والآن في نفطه بما استجد. وقد أثبتت التجربة أنّه لا يمكن الركون لهذا الكيان وهو يتحلّى بعنصريته، وبإصراره على هضم حق الشعب الفلسطيني، وإدارة الظهر لقرارات الشرعية الدولية، بل ولروحه العدوانية تجاه حتى الدول التي أبرمت معه معاهدات سلام. وهذا أمرٌ أفصحت عنه الأحداث الأخيرة في مصر مع سد النهضة، و"قناة بن غوريون بديلاً عن قناة السويس"، والآن العبث بالأردن لإدخاله في دوامة الفوضى تمهيداً ليكون "الوطن البديل" للفلسطينيين، الأمر الذي حذّر منه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الأستاذ وليد جنبلاط.

ليس لدولةٍ صغيرة كلبنان أن تحصّن نفسها بالوقت الحاضر إلّا بأمرين: توطيد علاقاتها مع أصدقائها في الغرب والشرق بدبلوماسية ناشطة وجدية، والعمل بإخلاص لبناء تنمية حقيقية، وليس بهذا العبث الذي قادنا إلى ما نحن فيه.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".