بعد 8 أشهر على انفجار المرفأ: مواد مسرطنة في الأشرفية ووزارة البيئة "لا تندهوا ما في حدا"

06 نيسان 2021 12:53:47 - آخر تحديث: 06 نيسان 2021 12:54:24

مجزرتان شهدتهما العاصمة بيروت وبتوقيت متناغم. الأولى، تمثلت في كارثة انفجار مرفئها المأساوي في الرابع من آب. والثانية، "مذبحة تختمر منذ ثمانية أشهر" في تراقص الغبار المُمْتَلِئ بألياف مادة الأسبستوس أو الأميانت "Asbestos" في هواء منطقة "الأشرفية" شرقي العاصمة، الذي يتنشقه المواطنون مشبعاً بمادة تقتل أكثر من 107 آلاف شخص كل عام. تحذيرات، تخطت البيئيين الذين رفعوا الصوت منذ اللحظة الأولى للانفجار وباتت مُأرشفة في بلدية بيروت، وتعرف تفاصيلها وزارة البيئة التي "لم تُحرّك ساكناً"!

محيط ملعب كرم الزيتون

يؤكد النائب القاضي جورج عقيص الذي كشف عن خلفيات القضية لـ"التحري" أن "هناك كميات كبيرة من الألواح التي تحتوي على مادة الـ"Asbestos" مرمية بشكل عشوائي وممزوجة بالردميات ومرمية كنفايات في الساحة المجاورة لملعب كرم الزيتون في الأشرفية حالياً. وهي مواد مُسرطنة وعالية الخطورة يتسبب تنشق أليافها المجهرية بالعديد من الأورام الخبيثة بما في ذلك سرطان الرئة وسرطان المبيض وسرطان الحنجرة وورم المتوسطة الخبيث (Malignant mesothelioma) - النادر والقاتل - هو نوع من السرطان يصيب خلايا المتوسطة، التي تكوّن غلاف الجنبة الذي يحيط بالرئة. وعليه، شبح السرطان يحوم فوق بيروت بشكل عام، والأشرفية بشكل خاص، إذ يكفي استنشاق هواء فيه بعض من ألياف الأسبستوس التي تتميز بدقتها الشديدة، لكي يحمل البيروتي في جسده مرضاً كامناً يظهر بعد سنوات"

ويتابع عقيص "تم اكتشاف هذه الكمية الكبيرة من الألواح المضلعة المصنوعة من مادة الأسبستوس المُسرطنة من قبل بلدية بيروت (تحت عدة اشكال مثل مواد العزل وأسقف الأترنيت والبلاط والأنابيب وغيره)، ضمن كشف متخصص أجرته الدائرة الفنية المختصة التابعة لها والاستشاري مكتب رفيق الخوري وشركاؤه الذي أوضح بدوره للمعنيين استحالة نقل ومعالجة هذه المادة السامة وطلب التواصل مع وزارة البيئة بهذا الخصوص، والذي تبيّن بعدها أنها على علم بها منذ مدة طويلة. كما أنه، قامت البلدية بزيارة الموقع بالتنسيق مع المتعهد "رامكو – ألتش ب" لإزالة الردميات والنفايات الصلبة، إلا أنه ونظراً للطبيعة الخطرة لهذه المادة، والكمية الكبيرة الموجودة في المكان المذكور، أشار المتعهد رامكو أنه ينقصه التجهيزات والخبرة الضرورية للتعامل مع هذه الكميات من المواد كما أنه كان هناك صعوبة بالغة في إيجاد مكان مناسب في العاصمة لتلفها، حيث أنه لا يمكن نقلها إلى معمل الفرز في الكرنتينا كغيرها من النفايات ولا إرسالها إلى مكب باكاليان المخصص لمعالجة الركام والردميات الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت والذي يتم فيه معالجة الردميات بتقنية السحق (وهي تقنية لا تناسب المواد السامة) لا بل يمكن أن تؤدي في حال سُحق الركام المصنوع من الأسبستس إلى تطاير ألياف خطرة ومسرطنة في الهواء مما سيضع عمال المكب وسكان المنطقة المجاورة في خطر. وقد تم بعدها التواصل مع وزارة البيئة وطُلب منها المؤازرة الفنية لإيجاد السبل الناجعة لمعالجة هذه المادة الخطرة والتخلص منها بأنسب الطرق وأسلمها بخاصة أنه يجب تحضير بلوكات اسمنتية لتغليف encapsulate المواد المحتوية على الأسبستوس على نحو يتم فيها تدعيم وعزل المادة السامة بطرق معينة بحيث يتم صب اسمنت مسلح لفصلها عن الهواء كلياً. وعليه، لا يمكن انتظار الرد من وزارة البيئة طويلاً"

وفي الحل يقول عقيص "ألا يستحق ما اكتُشف في الزهراني، وما انفجر في مرفأ بيروت سابقاً وما رُصد الآن في الأشرفية، إجراء مسح شامل لمعرفة ماذا تختزن كل المرافق الحكومية من ويلات؟ ولماذا لا يتم الإستعانة بفريق من الخبراء لإجراء مسح كامل وشامل على كل لبنان قبل فوات الأوان، فسلامة الشعب أمانة برقاب المسؤولين. قلتها مسبقاً وأعيدها اليوم، نحن نعيش فوق بركان من المفاجآت وتحت غيمة سميكة من اللامسؤولية"

"لا تندهوا ما في حدا"

وفي حين تعلو حدّة السجال بين وزارة البيئة التي لم تتحرك حتى الساعة لتزيل الأخطار ولا لإجراء مسح شامل وفقاً للمخاطر الجدّية التي تحوم حول بيروت، وبين البيئيين وفي طليعتهم المتخصص بيار أبي شاهين الذي حذّر منذ شهر آب 2020 من كارثة في السياق، تعيد هذه الحادثة التذكير بقضية لبنانية كبرى تتعلّق بالتعرّض إلى الأسبستوس في منطقة "شكا"، ما زال ضحاياها المتوفون بمعظمهم مصابون بمرض سرطاني، عمال "شركة الأترنيت ش.م.ل." ينتظرون إنصافهم منذ عام 2000 حين أُقفل المعمل. فمنذ ذلك العام، ومئات المتضررين، يرفعون الصوت والمواد ما زالت في مكانها ولم يتم ازالتها، ووضعوا عليها حارس قضائي مات أيضاً من السرطان!... كما أن أحدا من المتضررين حصل على تعويضات من الدولة أو من الشركة والأنابيب أو "قساطل الاترنيت" لا تزال مرمية تبث سمومها في الأجواء. فهل تخطو الأشرفية على الخطى نفسها؟

يشرح أبي شاهين لـ"التحري" أن جميع الألواح الأسمنتية التي تم إنتاجها قبل عام 1980 تحتوي على مادة الـ"Asbestos" وكانت تُستخدم قديماً في بيروت في أعمال الإنشاءات والعزل الكهربائي أو ضد الحرائق وأنه مع انفجار المرفأ، تبيّن أنه في الأحياء المجاورة للمرفأ، تنتشر البيوت القديمة، التي تحتوي على مادة الأسبستوس وأنها قد تطايرت وبعدها تم كنسها ووضعها في "البورة" وحتى الساعة لم يتم ازالتها" ويتابع "زرت وزير البيئة شخصياً وأخبرته بكل ما يحصل في شكا وفي بيروت إلا أنه سمع ودوّن وقال لي "منشوف"!...
ويختم "كما يوجد طلب كنا قد أرسلناه إلى وزارة البيئة كـ"هيئة حماية البيئة-شكا" تمنينا فيه الحصول على إذن مشروط لبعثة كندية استكشافية، هدفها فحص نوعية الهواء ودراسة التربة وانتاج تقرير علمي مفصل وموثق مع مقترحات عن حجم الخطر وتحديد الطرق الأفضل للتخلص من بقايا الإترنيت في شكا... ومن ثم تعرقلت الأمور لسبب غير معروف!"

وبالعودة إلى "مصيبة" الأشرفية لابد من الإشارة أنه وبحسب مصدر خاص في وزارة البيئة، عملت "التحري" أن هنالك "عملية "شد حبال" بين المدير العام للوزارة بيرج هتجيان الذي يصر على التحرك في الملف وعدم إهماله ورئيس مصلحة البيئة السكنية المهندس بسام صباغ الذي يعرقل الملف لأسباب سياسية. وأنه يمكن لبلدية بيروت تفادي اللجوء للوزارة "الميؤوس من تحركها في الوقت الراهن بهذا الملف"، عبر الاستعانة بخبير وشراء المواد الواقية المناسبة والتجهيزات اللازمة من معدات الحماية الشخصية Tyvek suits و كمامات N95 ونظارات واقية وقفازات ومواد للعزل ومواد مثل الغري الأبيض لتثبيت المواد ولفائف البولي اثيلين لتغليف المواد وأكياس بلاستيك سميكة وأكياس ردم، وغيرها لتوضيب ونقل المواد السامة بطرق آمنة بعد تثبيتها وتغليفها بشكل جيد، إلى شركة "كومبيليفت" الألمانية الموجودة في مرفأ بيروت كمكان آمن لا يمكن الدخول إليه من قبل الأشخاص غير المسموح لهم حيث يوجد كميات مماثلة لنفس المادة محضرة للترحيل حيث أن كل اسقف العنابر المدمرة في المرفأ كانت تحتوي على هذه المادة السامة بما فيها العنبر 12".

المصدر: التحري