Advertise here

السّلم الأهليّ

03 نيسان 2021 07:05:00 - آخر تحديث: 03 نيسان 2021 11:54:16

إنَّ حبَّ الوطنِ منَ الأمورِ الفطريّةِ الّتي جُبِلَ عليْها الإنسانُ، فليسَ غريبًا أنْ يحبَّ الإنسانُ وطنَه الّذي نشأَ على أرضِه وشبَّ على ترابِه وترعرعَ بينَ جنباتِه.

إنَّ حبَّ الوطنِ واجبٌ شرعيٌّ وأخلاقيٌّ ودينيٌّ، هوَ شعورٌ لا يجبُ أنْ يظلَّ حبيسًا في الصّدورِ أوْ مكتوبًا على السّطورِ، بلْ يجبُ أنْ يترجمَ إلى أفعالٍ ومواقفَ مشرِّفةٍ.

 إنَّ حبَّ الوطنِ لا يترجمُ بحسبِ الهوى والمصالحِ الشّخصيّةِ، والعملِ على تفرقةِ أبنائِه  وغرسِ الكراهيةِ والحقدِ والبغضاءِ والمناطقيّةِ والطّائفيّةِ فيما بينَهم. 

قبلَ أنْ نرفعَ علمَ بلادِنا ونجري لنهتفَ باسمِه، ينبغي أنْ نفكّرَ ماذا عملْنا لبلدِنا؟ هل ساعدْنا في ظهورِ الوطنِ بمظهرٍ حضاريٍّ لائقٍ؟ هل بدأْنا بأنفسِنا لنكونَ مواطنينَ متحضّرينَ، منظّمينَ؟ هل تخلّصْنا منْ ضغائنِ الفئويّةِ والانقسامِ؟ هل حافظْنا على الاستقرارِ والأمنِ في مجتمعِنا؟ هل نعملُ على نشرِ بذورِ السّلمِ الأهليِّ في وطنِنا الغالي لبنانَ؟

فما المقصودُ بالسّلمِ الأهليِّ؟

السّلمُ الأهليُّ هوَ رفضُ كلِّ أشكالِ التّقاتلِ كمجرّدِ الدّعوةِ إليه أوِ التّحريضِ أوِ تبريرِه، هوَ العملُ الدّائمُ على منعِ الحربِ الأهليّةِ في الوطنِ.

السّلمُ كلمةٌ واضحةُ المعنى، تعبّرُ عنْ ميلٍ فطريٍّ في أعماقِ كلِّ إنسانٍ وتحكي رغبةً جامحةً في أوساطِ كلِّ مجتمعٍ سويٍّ، وتشكّلُ غايةً وهدفًا نبيلًا لجميعِ الأممِ والشّعوبِ.

السّلمُ الأهليُّ وضعٌ يسودُ فيه الأمنُ والسّلامُ، يشعرُ فيه الفردُ بالأمانِ والطّمأنينةِ والسّكينةِ.
    
فإنْ أرادَت أمّةٌ أنْ تحقّقَ لنفسِها تقدّمًا حضاريًّا مزدهرًا، فلا بدَّ منْ أنْ يتوافرَ فيْها الأمنُ والأمانُ والسّلمُ والسّلامُ. 

وفقَ ما شهدَ بِهِ التّاريخُ وأكّدَته تجاربُ الأممِ والشّعوبِ، لا إبداعَ منْ دونِ استقرارٍ، ولا نهضةَ علميّةً منْ دونِ طمأنينةٍ تلفحُ العقولَ وتشحذُ العزائمَ وتعلي الهممَ وتطلقُ الحرّيّاتِ.

هل نحنُ بحاجةٍ إلى السّلمِ؟ ما هي النّتائجُ الّتي تترتّبُ عنْ ممارستِهِ؟ وما هو الهدفُ السّامي منه؟

هذهِ استفهاماتٌ وتساؤلاتٌ بحاجةٍ إلى إيلاءِ أهميّةٍ بالغةٍ منْ قِبلِ المواطنِ لما تتضمّنُ منْ معانٍ ساميةٍ وأبعادٍ إنسانيّةٍ.

 هل نحنُ عاجزونَ عنْ تحقيقِ السّلمِ في مجتمعِنا؟ هل نحنُ عاجزونَ عنْ إلغاءِ الطّائفيّةِ والمناطقيّةِ الّتي تؤدّي إلى النّزاعاتِ والعنفِ والعبتِ بمستقبلِ وطنِنا على الصّعدِ كافّةً؟

منْ هنا كمْ نحنُ أحوجُ لوضعِ المسؤولينَ مخطّطًا شاملًا لإنهاضِ الوطنِ وبلسمةِ جراحِه والتّنسيقِ بينَ الأجهزةِ الأمنيّةِ ودراسةِ المشكلاتِ وعرضِ الحلولِ لقيامِ مجتمعٍ سويٍّ يتوفّرُ فيْه الأمنُ والاستقرارُ، وكمْ نحنُ أحوجُ للعملِ على حلِّ النّزاعاتِ بوسائلَ سلميّةٍ هدفُها الوصولُ إلى تغييرٍ جذريٍّ وحقيقيٍّ في مواقفِ الأطرافِ المتنازعةِ، وكذلك الاهتمامُ بتدريبِ الأجهزةِ الأمنيّةِ لرفعِ مستوى الكفاءةِ ودعمِ جهازِ الأمنِ بالمؤهّلينَ من ذوي الاختصاصِ كالقيامِ بدوراتٍ تدريبيّةٍ في مجالِ مكافحةِ الإرهابِ والنّزاعاتِ والعنفِ، وتوفيرِ المعدّاتِ والتّقنيّاتِ الحديثةِ لهم.

لا يغربُ عن بالِنا ما للمؤسّساتِ الدّينيّةِ والأسرِ والمدارسِ من دورٍ هامٍّ  في الالتحامِ بمشاكلِ الجماهيرِ والعملِ على حلِّها وتوعيةِ الشّبابِ على مخاطرِ الإرهابِ والعنفِ وتوضيحِ القيمِ والتّعاليمِ الدّينيّةِ الصّحيحةِ من خلالِ اللّقاءاتِ الثّقافيّةِ والتّوعويّةِ معَ هؤلاءِ الشّبابِ.

بالطّبعِ، إنَّ الدّورَ الاجتماعيَّ والثّقافيَّ الّذي تؤدّيه المؤسّساتُ الدّينيّةُ يعتبرُ منَ الأعمالِ الهامّةِ الهادفةِ إلى توعيةِ الشّبابِ وتثقيفِهم، ليسهموا في تطويرِ المجتمعِ،  وفي استتبابِ أمنِه. إذ للشّبابِ دورٌ بارزٌ في تعزيزِ السّلمِ الأهليِّ المجتمعيِّ منْ خلالِ المشاركةِ بالبرامجِ الّتي تهدفُ إلى وقفِ الحملاتِ الّتي تزيدُ من حالةِ العنفِ والاقتتالِ.

فمنَ الضّروريِّ، دمجُ الشّبابِ في المجتمعِ عبرَ تعزيزِ قيمِ المواطنيّةِ الفاعلةِ لديْهم، ودعمُهم من خلالِ رفعِ مستوى الوعي عندَهم، وتعزيزُ مشاركتِهم في الحياةِ العامّةِ من خلالِ تطويرِ قدراتِهم ومهاراتِهم ومواكبةِ أنشطتِهم العامّةِ، وتمكينُ دورِهم الفعّالِ في تحدّي الواقعِ الصّعبِ لنحظى بالسّلمِ الأهليِّ.      
 
متى نعي أنَّ المواطنَ اللّبنانيَّ عمادُ السّلمِ لنبذِ الطّائفيّةِ الّتي تهدّدُه في لقمةِ عيشِه وأمنِه واستقرارِه؟ متى نعي أنَّ الشّبابَ همُ التّغييرُ؟!

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".