يقول السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد في مقالة في صحيفة "الشرق الأوسط": "... لم ندرك أنه بحلول عام 2012 تحوّل الأمر الى حرب حقيقية. أما السوريون على الأرض الذين عاشوا تحت وطأة البراميل الحارقة والهجمات الشرسة بالأسلحة الكيماوية فقد أدركوا هذا الأمر!! وأصررنا على الحديث عن "عدم وجود حل عسكري" وكررنا هذا الأمر آلاف المرات منذ 2011 وحتى يومنا هذا، الى درجة أن هذه العبارة تحولت الى عقيدة راسخة في أذهاننا، وتبقى الحقيقة أنه في الحروب يظل التوازن العسكري الأمر الأكثر أهمية"!!
ماذا يعني هذا الكلام من سفير عايش على الأرض كل الوقائع؟؟ وفي سفارته كل الإمكانات ولديه كل الاتصالات والقنوات للوصول الى المعلومات ومن فوق، من الجو أجهزة دولته تراقب وتتنصت وترصد وتصوّر، ووسائل الإعلام تنقل كل شيء. ومراكز الأبحاث والدراسات والتحليل تتابع عن كثب. ومع ذلك يقدّم لنا خلاصة أنهم لم يدركوا أن الأمر تحوّل الى حرب. هل هذا استغباء لعقول السوريين والناس المتابعين باهتمام ماذا كان وماذا يجري على الأرض السورية؟؟ ما معنى استخدام البراميل الحارقة والهجمات بالأسلحة الكيماوية ؟؟ أجنوح نحو السلم؟؟ أرأفة بالناس؟؟ أإعتراف بحقهم في التظاهر والتعبير عن الرأي والتغيير في اتجاه مزيد من الحرية والديموقراطية؟؟ وَلَو. أي مبتدئ في السياسة كان يسمع ويقرأ تصريحات المسؤولين ويراقب سلوكهم وتصرفاتهم مع الإبادة الجماعية للناس يدرك أن ثمة حرباً والشعب السوري ليس أمام نزهة؟؟ وماذا يعني الإصرار على عدم وجود حل عسكري؟؟ وكان هذا الحل هو الخيار الوحيد المعتمد من قبل النظام؟ لماذا تركت المعارضة؟؟ هل نحن فعلاً أمام قلة فهم وإدراك أميركية؟؟ هل نحن أمام بلادة عقلية وقصور ذهني في التحليل والقراءة؟؟ أم أننا أمام خبث أميركي وامتداداً غربي موصوف للتخلي عن الناس بعد إطلاق وعود وهمية كثيرة وكبيرة؟؟ وهل لعاقل أن يصدق أن أميركا لم تر إنزلاق الأمور الى الحرب؟؟
ولم يكتف السفير بذلك بل أضاف: "... بعد تدّخل الطيران الروسي في ايلول 2015 توقّع الرئيس أوباما أن الروس بذلك سيسقطون في مستنقع شبيه بما واجهه الأميركيون في فيتنام"!! ألا يعرف الرئيس الأميركي لماذا تدخّل الروس في سوريا بعد سنوات من الحرب وبالتحديد بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران بأسابيع؟؟ ألم يقدّر الرئيس أوباما أن هذا التدخل جاء بعد التدخل الروسي في أوكرانيا، وما أدراك ما أوكرانيا والقرم بالنسبة الى بوتين، وأن الموقف الأميركي رافض لذلك؟؟ ألم يقدّر أيضاً أن الروسي يريد أن يفاوض على الدرع الصاروخية الأميركية المنتشرة حول حدوده، وهي نقطة خلاف جوهرية بين الجبارين؟؟ إذا كان الأمر كذلك فإن كلفة سوء التقدير هنا كارثية على سوريا والمنطقة كلها، فمن يعوضهما؟؟ وما الفرق بين بوش وأوباما وترامب في مثل هذه الحالة وأمام هذا المنطق في ارتكاب خطيئة سوء التقدير من العراق الى سوريا؟؟ أم أن الأمر سياسة تجريبية عبثية تخريبية دمّرت آمال السوريين وشرّدتهم وحوّلت عشرات الملايين من أبناء الأمة نازحين لاسيما السّنة منهم، وحصل ما حصل بحق المسيحيين، واندلعت الفوضى والفتن السنية – السنية، والسنية – الشيعية، والطائفية، وهذا هو المخطط المرسوم للمنطقة. أما كلمة المسـتنقع فلا أستطيع إلا أن أتوقف عند "الببغاوات السياسية اللبنانية". نعم عند الذين كرروا وعلى كل مفترق كلاماً وعمّموا رهاناً وساهموا عن غير قصد بتضليل الناس، أن روسيا لن تكون قادرة على الصمود "ستغرق في المستنقع" وأن "إيران غرقت في المستنقع السوري"، "إيران غير قادرة على استيعاب تمدّدها في المنطقة" "كلفة هذا التمدّد ستسقطها من الداخل"... وهذه هي النتيجة. وإذا كان السفير فورد يعترف بأننا "ارتكبنا الخطأ الأكبر بعجزنا عن استيعاب كيف يفكر السوريون" وبأن السوريين وبعد زيارته حماه في تموز 2011 "اعتقدوا أن واشنطن تدعم تغيير النظام" وهي لا تريد ذلك بل تبحث عن تغيير سلوكه!! فهل يفكر لمرة واحدة هؤلاء اللبنانيون "اللامعون" ويجرون مراجعة لمواقفهم حول الاستمرار في التهوّر والإندفاعات غير المحسوبة أمام موجات لعبة الأمم المسمومة؟
هل يقلع هؤلاء عن تحليلات التمنيات والتخيلات البعيدة كل البعد عن دقة الحسابات؟؟
هل يسألون الأميركيين: أين خبرتكم وخبرائكم؟؟ أين مراكز أبحاثكم ودراساتكم ومخابراتكم ومؤسساتكم وقدراتكم وقواتكم وأقماركم وتقنياتكم وعِبركم وقادتكم؟؟ وتجاربكم؟؟ وهل يفكرون بنتائج هذه التجارب؟؟
في كلام السفير فورد صورة واضحة عن لعبة الأمم. عن الخبث. بعد كل هذا الخراب والدمار تبيّن أنهم لم "يدركوا حقيقة ما يجري وأنهم أخطأوا" ولكن بعد فوات الأوان. مع ذلك هل غيّروا سلوكهم ونمط تفكيرهم؟؟ لا ولن يفعلوا!!