مجدداً تصطدم المساعي الهادفة لتشكيل حكومة بجدران التعطيل. إقتراح تعديل التشكيلة الحكومية وتوسيعها ورفع عدد الوزراء فيها إلى 24 بدلاً من 18، لم يحظ بموافقة رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ. على الرغم من أن عون ينفي مطالبته بالثلث المعطل إلا أنه بمجرد رفض صيغة الـ 24 يعني أن هناك قطبة مخفية، وهي إما ترتبط بالثلث المعطل، او بأسباب خفية أخرى تتعلق بعقد إتفاقات سياسية، او بانتظار تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية لاتخاذ المواقف بناء عليها.
تلك المبادرة التي تقدم بها الرئيس نبيه بري ولاقت قبولاً محلياً وديبلوماسياً سقطت مجدداً، هل هو الثلث المعطل؟ أم الإنتخابات الرئاسية المقبلة؟ ام تكريس الفراغ لتغيير النظام؟ ام الرهان على الإنهيار؟ أم الإنتقام من الطائف؟ أم انتظار متغيرات إقليمية ودولية؟ كلها أسئلة تحمل الإجابات وبنفس الوقت لا تجيب بوضوح على سؤال واحد. هكذا أضحت السياسة في لبنان، وبعد القفز فوق سجال الثلث المعطل، اخترعت بدعة جديدة من قبل التيار الوطني الحرّ بعدم السماح لرئيس الحكومة بامتلاك النصف زائد واحد في حكومته. علماً أن رئيس الحكومة بموقعه يساوي كل الوزراء، ولا يحتاج لأي نصاب في حكومته، ثانياً هذا المنطق ساقط عددياً وسياسياً، إلا في حسابات النكايات والتعطيل.
ما يجري يوضح بشكل لا لبس فيه ان ميشال عون لا يريد سعد الحريري رئيساً للحكومة، هو مستعد للقيام بأي خطوة بهدف إبعاده عن الرئاسة الثالثة، ولو اقتضى ذلك انقضاء العهد في مرحلة تعطيل طويلة، ولو قضم الإنهيار البلاد، ولو كان ثمن ذلك الشروع في حملة تهشيم سياسية وإعلامية تنال من الحريري وتستهدفه وتعيد إحياء عشرات المؤلفات من الإبراء المستحيل، التي لا تستخدم إلا غب الطلب السياسي.
وسط موجة الجنون هذه، لا بد من التحضر للأسوأ، في لبنان لا تأتي التسويات إلا بعد بحور من الدماء، وهذا ما نخشاه، وما يريد أن يتفاداه كل اللبنانيين. كل الأفكار التي تطرح لا تلقى قبولاً ولا يبدو انها قابلة للتطبيق، الأزمة طويلة، معظم القوى السياسية والحزب تتحضر لمسار طويل من الإنهيار واستعصاء مديد في الحلول السياسية والإقتصادية.