Advertise here

إلى انتخابات خامسة!

29 آذار 2021 14:53:57

هل إسرائيل تلعن الديموقراطية الانتخابية؟

أكثرية 61 مقعداً نيابياً لم ينلها أحد المعسكرين ليتمكّنا من تشكيل الحكومة العتيدة.

ها هي إسرائيل ويهودية، دولتها تتخبّط في نتائج انتخاباتها الرابعة خلال سنتين وحزب الليكود، بزعامة نتنياهو، لم يحصل على فوزٍ مريحٍ يمكّنه من تشكيل حكومته الجديدة دون الإذعان للتحالف مع أحزاب دينية، أو الاستعانة بالقائمة العربية، بزعامة عباس منصور، التي نالت 5 مقاعد.

حتى هناك البوصلة مفقودة والشعب مشوّش، والتفكك قائمٌ على قدمٍ وساق. وما تفريخ الأحزاب، خاصةً الدينية منها، إلّا ويبشّر بشيءٍ ما يحدث داخل الكيان.

في ما مضى كانت السياسة الإسرائيلية تتمحور بين حزبين رئيسيين: حزب ماباي، الذي اتّخذ فيما بعد اسم حزب العمل اليساري ذي الطابع الإشتراكي، وسيطر على الهستدروت، والحركة الصهيونية العالمية، والذي نشأ تحت مظلة منظمة "الهجانا"، أو أسّسها وهي كانت نواة للجيش الاسرائيلي فيما بعد، وما زالت القوة الضاربة والأكثر تدريباً ومكننة عدةً وعديداً. وهذا الحزب هو الذي أسّس دولة الكيان الذي كان يرأسه حينذاك ديفيد بن غوريون.

  ومن جهة ثانية نشأ فيما بعد حزب الليكود اليميني المتطرف الذي يُعدّ في يومنا هذا باليمين المعتدل نسبةً لغيره من الأحزاب الدينية المتطرفة، رغم أنهم ينطلقون من نهجٍ وتفكير واحد، لكن بطرقٍ مختلفة. وكانت كافة الحروب تقريباً التي شُنّت ضد العرب والفلسطينيين، حكوماتها عمالية، وإن كانت برضى البرلمان.

منذ اغتيال إسحاق رابين، مُوقّع اتفاق أوسلو على يد متطرّف، وحزب العمل إلى تراجع وانقسامات لأحزابٍ منها ميرتس، وأبيض أزرق، حزب الجنرالات،  إضافةً إلى أحزاب يمينية لا تؤمن بالحوار العربي- الإسرائيلي رغم عمقها اليساري. 

جرت الانتخابات الرابعة في 22 آذار وظهرت نتائجها جليةً رغم الدعم العربي والمتمثّل تطبيعاً مع بعض دول الخليج والسودان، والأجواء المفتوحة، والزيارات العديدة والمتنوعة الأهداف بين أطرافٍ عدة علنية، أو سريٍة ظناً منهم أن تلك الحالة الانفتاحية القسرية  تشكل رافعةً  لنتنياهو في الانتخابات، لكن حساب البيدر لم يأتِ على حساب الحقل، فجاءت النتائج مخيّبة للآمال المعقودة عليها، ومشابهة للانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة.

كما وأنّ الدعم الروسي واضحٌ من الرئيس بوتين، ومباشرٌ لنتنياهو. هنا نشير إلى أنّ حزب شاس، الذي يتألف من المهاجرين الشرقيين، وخاصة الروس افراديم، حصل على  9  مقاعد نيابية. والمفاجأة كانت من حزب 
"يش عتيد" (يوجد مستقبل) برئاسة مئير لبيد، إذ حصل على 18 مقعداً، فارضاً نفسه ثانياً في سلّم المقاعد النيابية بنسبة %14 كقوةٍ انتخابية مستقبلية لا يستهان بها، في ظل تراجع حزب الليكود، واضمحلال قوة حزب العمل الانتخابية، وضعف "ميرتس" وريث حزب العمل الرئيسي .  

السؤال المركزي يتمحور حول ما أصاب الكيان الصهيونى: هل هناك قحط بالقيادات الوازنة التي تمثّل ثقلاً وإرثاً قيادياً وسياسياً تركن له أغلبية شعبية تقرر في المفاصل الحساسة للدولة، كالحرب والسلم.  

كما وأنّ نسبة الاقتراع وصلت إلى 68 بالمئة، وهي الأقل منذ عام 2009.

إنّ معظم الجيل القديم، الذي كان مؤيداً لحزب العمل أحجم عن الإدلاء بأصواته،  وتشتّت الأصوات المتأرجحة بين أحزابٍ عديدة مانعة أياً من الأحزاب الرئيسية، الليكود، ومعسكره شاس و"بيتنا" والصهيونية، ومعسكر الحكومة المستقلة على رأسها "يش عتيد" و"أبيض أزرق" و"ميرتس" و"العمل" وغيرهم، من نيل نسبة مقاعد برلمانية مريحة تمكّن أياً من المعسكرَين من تشكيل حكومةٍ قادرة على القيام بواجباتها الداخلية، ومتابعة ملف المفاوضات العربية- الإسرائيلية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإلى ما هنالك من أمور مؤثرة خاصة في القضية الكبرى المتمثلة بالاستيطان المتفشي في الضفة الغربية.

خلاصة المعطيات تؤكّد أن هناك ضياع في الأوساط الشعبية من جرّاء عدم الثقة بالعناصر القيادية خاصة من الصف الأول، مما أثر سلباً على النتائج البرلمانية، وبالتالي على إفراز نخب تقود البلاد نحو الأفضل للتقرير في القرارات السياسية الكبرى في دولة الكيان.

هل الكيان الصهيونى يتجه نحو المزيد من الانقسام على ذاته جراء هذا الكم الهائل من التعديات اللا- إنسانية بحق الشعب الفلسطيني، والإدعاء بديمقراطية دينية عنصرية مزيفة كماً ونوعاً في شرق أوسطٍ يتخبّط في صراعٍ مميت، ويعيش في ظلال حكم عائلات حكمت بقوة السيف، وما زالت،  كأننا لا زلنا في غياهب القرون الوسطى. 

ومهما فعلت إسرائيل بعقول الرؤساء والملوك العرب لتكون الحاضن والناطق الرسمي عن مجموعة معيّنة من دول الشرق الأوسط، وصلة الوصل بين هذه الدول والدول الكبرى، كأميركا وروسيا والصين وأوروبا، فلن تتمكن من غزو أفكار وقلوب الشعوب العربية كافةً.  
وهذه مصر العربية وشعبها برهنا كيف فشلت اتفاقية السلام فشلاً ذريعاً رغم التطبيع منذ عام 1979.
ستبقى القلاقل مفتعلةً من قِبلها، وتصوير  الدول كأنها دول مارقة تفتقر للديموقراطية، وهي التي تقوم بأبشع عمل في القرن الواحد والعشرين متمثلاً ببناء جدار العزل العنصري، وكأن دول العالم أصابها مرَضا العمى والطرش. 
 
حتماً إنّ الوضع اليهودي الاستراتيجي المرتبك، وحالة الضياع داخلياً وعالمياً، ستؤثر على مجريات الأحداث في أميركا وغيرها من الدول لما تتمتّع به من قوةٍ اقتصادية تفعل فعلها انتخابياً.
  
هل إسرائيل تتجه لانتخاباتٍ نيابية خامسة، وبالتالي إلى المزيد من التشرذم؟!

إنّ غداً لناظره قريب.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".