Advertise here

ثمانية أشهر على إنفجار المرفأ وإعادة الإعمار لم تبدأ بعد

بين اليابان ولبنان.. هكذا تحوّلت النكبة إلى فرصة

27 آذار 2021 10:20:00 - آخر تحديث: 27 آذار 2021 10:33:42

قد تتعرض الدول لكوارث، منها ما يكون طبيعياً، وأخرى تكون ناتجة عن أعمال إرهابية، أو حتى بفعل إهمال أو انعدام المسؤولية. إلّا أن المهم بعد وقوع الكارثة، إضافة إلى التحقيقات، وكشف الوقائع، وإحقاق العدالة، حُسن إدارة عمليات الإغاثة ولاحقاً إعادة الإعمار من أجل النهوض مجدداً، وعودة الحياة إلى المنطقة المنكوبة.

انفجار مرفأ بيروت حدث في الرابع من آب عند الساعة 6:08 مساء، ومنذ تلك اللحظة لم تتزحزح عقارب الساعة قُدُماً. بعد 8 أشهر ونصف على الانفجار الضخم الذي حصد مئات الأرواح وسوّى العاصمة بالأرض، ما زالت رائحة الموت والدمار عابقة في أزقة بيروت المدمرة، وبين المباني المهدّمة.

وإذا كان التحقيق في الكارثة والمسار القضائي ترنّح ويترنح لألف سبب وسبب، وكلها لا مسوّغ لها أمام هول ما حصل، لكن غياب خطط إدارة الكوارث، وعجز الدولة في معالجة تداعيات الانفجار، تترك آثاراً لا تقل سلبية عن تمييع التحقيقات. فحسب بعض الشهادات الميدانية، فإن التأخر في رفع الأنقاض وإغاثة المصابين قد يكون تسبّب في قضاء بعضهم نحبه، كما وأن المماطلة بالتحقيق قد تحرم المتضررين الحق بالوصول إلى الحقيقة، وثم من التعويض عن الخسارة. في حين أن غياب الرؤية الاقتصادية من أجل النهوض وإعادة إعمار المدينة تحضيراً لعودة النبض إلى شوارع العاصمة، سيحرمها من الحياة.

وتقدّر كلفة إعادة إعمار المرفأ بين الـ300 والـ500 مليون دولار، في حين أن ترميم المنطقة المتضررة سيكلف مليارات الدولارات. 

صحيحٌ أن لبنان لم يُترك وحده، بل عرضت الدول الصديقة المساعدة في هذا الإطار، ومنها فرنسا، عبر مبادرتها، كما وتركيا. إلّا أن فشل الإدارة يحول حتى الآن دون إطلاق رحلة ترميم بيروت وإعادتها إلى سابق عهدها، وقد يؤدي إهمال السلطة إلى إضاعة الفرصة التي قد تكون الأخيرة، في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعانيه لبنان. 

ويظهر جلياً سوء الإدارة اللبنانية عند مقارنة ما يحصل مع تجارب في دول أخرى تعرضت إلى كوارث كبيرة خلّفت دماراً هائلاً. فعلى سبيل المثال في العام 2011، وقع زلزال كبير شرق اليابان، تسبّب بتسونامي هائل، وأدّى إلى حادث فوكوشيما دايتشي النووي. ونتج عن الكارثة مقتل حوالي 19,600 شخص في جميع أنحاء البلاد، و 2528 شخصاً في عداد المفقودين. 

إلّا أنّه بعد مرور عشر سنوات، فإن عملية إعادة الإعمار مستمرة وتتقدم بثبات، لا بل حولّت السلطات الكارثة إلى فرصة من أجل تطوير البُنى التحتية، علماً أنها استكملت هذه العملية في عددٍ من المناطق، وتجهد اليوم من أجل الاستثمار لإعادة العجلة  الاقتصادية، وجذب السكان إلى المنطقة. 

في المقابل، فإن نيبال لم تختلف في مرحلةٍ معيّنة عن سوء الإدارة في لبنان قبل أن تلتحق بركب النهوض، إذ شهدت زلزالين في العام 2015، راح ضحيتهما تسعة آلاف شخص، كما أصيب أكثر من 22 ألفاً، ولحقت أضرار بقرابة 900 ألف منزل أو دمرت بالكامل، لكنها تأخرت في عملية إعادة الإعمار 8 أشهر بسبب التجاذبات السياسية والمشاحنات، وهو ما تسبب بإحباط المانحين. وبعد مضي الفترة المذكورة، عادت وأعطت السلطات المختصة الضوء الأخضر من أجل البدء بالعملية، وإنفاق 4.1 مليار دولار. ثم عملت البلاد أيضاً على تحويل النكبة إلى فرصة من أجل تخفيف نسب البطالة، فقد درّبت 50 ألف عامل من أجل القيام بالمهمة المطلوبة.

إن عمليات إعادة الإعمار تستغرق الكثير من الوقت الذي يشكّل هدره وتضييعه مقتلة جديدة أخطر من الكارثة نفسها. وها هي العملية مستمرة في اليابان منذ 11 عاماً، وقد بات من الضروري إطلاقها في أسرع وقت في بيروت، وإلّا فإن نهوض العاصمة لن يحصل في القريب المنظور، وستتأخر عودة العجلة الاقتصادية التي يحتاج إليها كل لبنان، ويتّكل فيها على مقومات ومرافق العاصمة، وفي طليعتها مرفأ وهو الأكبر ومن الأكثر تطوراً في الشرق الأوسط. وما من عودة للاستثمارات الأجنبية إلّا بعد إنجاز قسم كبير من عملية الترميم وإظهار نوايا جدّية في إعادة النبض إلى بيروت المدمّرة، وبدء مسار سياسي موازي للعملية يمنح بعضاً من الثقة التي فقدها لبنان على كل المستويات.