Advertise here

أما آن لعذابات سوريا أن تتوقف؟

27 آذار 2021 07:45:20

العذابات التي مرّت على الشعب السوري فاقت التصوّر، وتجاوزت المآسي في البلاد كل الحدود، ووصف البابا فرنسيس ما يجري؛ بأحد أخطر الكوارث الإنسانية في هذا العصر. والأحداث الأليمة التي بدأت في شهر مارس/ آذار 2011 حصدت مئات الآف الضحايا بين قتلى، وجرحى، ومُعوَّقين، بينهم أطفال وشيوخ ونساء ليس لهم أي ذنب في ما يجري، فضلاً عن تشريد ما يزيد على 7 ملايين من السوريين إلى خارج سوريا، إضافة إلى عدد لا يحصى من النازحين عن مدنهم وبلداتهم داخل البلاد لأسباب أمنية، أو بسبب التدمير الذي أصاب منازلهم وممتلكاتهم.

 ولم ينجح المؤتمر الذي عقد في دمشق بدعم روسي نهاية العام الماضي في توفير أجواء تسمح بعودة النازحين، وهناك شكوك في قدرة المؤتمر الذي يُعمل لعقده في بيروت في يونيو/ حزيران القادم على تأمين أرضية مناسبة لحل مشكلة هؤلاء المشردين، إذا بقيت الأوضاع السياسية معقدة على الشاكلة القائمة.

 وما يزيد من قساوة مسيرة الآلام العربية السورية؛ هو الغموض المُخيف الذي يحيط بمستقبل أفراد عشرات الآف العائلات السورية والعراقية، ومن جنسيات مختلفة، محتجزين، أو معزولين عمداً، في مخيمات على الحدود بين سوريا والعراق، وأبرزها "مخيم الهول" الذي يعيش فيه وحده ما يقارب 80 ألفاً من النساء والأطفال، يخضعون لنمطٍ بدائي من العيش الذي يفتقد الحدود الدنيا من المقومات التي يجب أن تتوافر للبشر، وعلى ما يبدو؛ فإن الثقافة "الداعشية" المتوحشة تسرح وتمرح داخل هذه المخيمات، في غياب أي رعاية من جانب الجماعات الكردية المسؤولة هناك، أو من المنظمات الإنسانية الدولية، فلا وجود للمدارس في هذه المخيمات، وثقافة العنف والإرهاب التي أسس لها "داعش" الإرهابي، ورعاته، هي المسيطرة في أوساط أبناء هذه العائلات من دون أي رقابة رادعة. ويبدو الوضع في هذه المخيمات كارثياً، والقضاء على "داعش" في عام 2019، لا يبدو أنه شمل القضاء على التنظيم الذي ما زال يعيش بكل موبقاته في مخيمات إيواء أفراد العائلات "الداعشية" متعددي الجنسية، والبعض منهم يتحدث عن دور ما ينتظرهم في المستقبل، وفقاً لمقابلة نقلتها وسائل إعلام عن لسان هؤلاء.

 كل أنواع الحروب والأسلحة تمّ تجريبها على أراضي سوريا العربية. والتدخلات الدولية في الشؤون السورية خلال 10 سنوات مضت فاقت كل تقدير، ومن هذه القوى ما أصبح يتحكَّم في مفاصل الحياة السياسية السورية برمتها، ومنها ما سيطر على أراضٍ وعقارات في مناطق حيوية، والبعض الآخر يحاول إعادة عقارب الساعة الى زمنٍ غابر كانت فيه الاحتلالات الامبراطورية سيدة الموقف.

 ويبدو أن المساعي الدولية والعربية أعادت تفعيل الحراك لإيجاد حل للأزمة القائمة، ولوضع حد للمأساة المُخيفة التي يعيشها الشعب السوري، بعد أن فشلت مسارات المفاوضات المختلفة السابقة، من "جنيف – 1" إلى "جنيف -2" إلى مفاوضات أستانة المتكررة برعاية ثلاثية روسية وتركية وإيرانية، والفشل تمدّد إلى الرتابة الخانقة التي تميزت بها مفاوضات لجنة صياغة الدستور الجديد والتي تألفت من مندوبين عن النظام وأطراف المعارضة المختلفة، ولم تفلح هذه اللجنة في الاتفاق على بنود الدستور الجديد، برغم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بتاريخ 18/12/2015 حدد لها مهلة سنتين لإنجاز التعديلات على الدستور.

 وكان لافتاً ما تضمنه بيان وزارة الخارجية الروسية لناحية التأكيد على أن الحل في سوريا يجب أن يراعي مندرجات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وحصل ذلك بعد جولة عربية قام بها وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، شملت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، وكانت الأوضاع في سوريا محور هذه الزيارات. وروسيا ترغب في عودة سوريا إلى صفوف الجامعة العربية، كما أنها تطلب مساعدة الدول العربية في إعادة إعمار سوريا، ومن دون هذه المساعدة لا يمكن إعادة النازحين، كما يصعب بناء استقرار في البلاد المنكوبة. لكن مواقف الدول العربية من العودة إلى سوريا والمساعدة في الحل؛ تشترط توافر الحد الأدنى من التوافق الداخلي والدولي، لكي لا تكون هذه العودة غطاء للحل العسكري.

 والبيان المشترك الذي صدر في 18 مارس/ آذار 2021 عن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي؛ أكد على استحالة الاعتراف بالوضع القائم، ورفض البيان اعتماد الحل العسكري، وأشار البيان إلى ضرورة تطبيق القرار 2254، معلناً استمرار فرض العقوبات على النظام، لاسيما من خلال "قانون قيصر" وقانون "ماجنيتسكي" الأمريكيين، واللذين طالا بإجراءاتهما الشعب السوري برمته، ما أدى إلى تفاقم الأزمة المعيشية إلى حدود مخيفة في كل المناطق السورية، وأنعكس الوضع على لبنان نظراً للترابط القائم بين اقتصاد البلدين، ولكون الحدود اللبنانية – السورية معابر تهريب للسلع الاستهلاكية وللمحروقات وللعملة الصعبة التي تدخل من لبنان إلى سوريا بعد فرض العقوبات.

عذابات سوريا طالت، وسوريا كانت تُوصف بقلب العروبة النابض. أما آن لهذه العذابات أن تنتهي، وأن تعود سوريا إلى لعب دورها العربي المتقدّم؟