Advertise here

تشذيب جديد لصلاحيات الرئيس؟

24 آذار 2021 10:57:20

لم يخطر في بال المشترع اللبناني الذي صاغ القالب القانوني للمادة الدستورية 53 التي تنيط برئيس الجمهورية أن «يصدر بالاتفاق» مع رئيس الحكومة مرسوم تشكيل الحكومة، والمادة 64 التي تنيط برئيس الحكومة إجراء الاستشارات النيابية «لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها»، أن هناك رئيساً سيستند إلى حزب مسلح مضطر بفعل مفاوضات إيران مع دول الغرب، لاستخدام هذه الصيغة التشاركية وسيلة لتعطيل اكتمال السلطة التنفيذية، وإلى إهانة الرئاسة الثالثة.

حين وضعت هذه الصيغة في اتفاق الطائف بدلاً من المادة التي تقول إن «رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمي منهم رئيساً» حين كانت صلاحياته مطلقة... أوجبت على الرئيس أن يجري «استشارات نيابية ملزمة» كي يسمي أعضاء البرلمان رئيس الحكومة، حتى لا تبقى هذه الصلاحية في يد الرئيس وحده، وحتى لا يتم التعيين تحت ضغوط كالتي مارسها قائد الجيش العماد ميشال عون في حينها، لضمان توليه صلاحيات الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، لأن الدستور ينقل سلطة الرئاسة عند شغورها إلى الحكومة، بانتظار انتخاب الرئيس. أراد عون من رئاسته الحكومة رغم استقالة وزرائها المسلمين، أن تكون منصة لانتخابه رئيساً، فتمترس في قصر بعبدا وحصل ما حصل.

كان المقصود من التعديلات الدستورية في الطائف تدارك التجربة السيئة الذكر لتولي العماد عون رئاسة الحكومة الانتقالية، بناء لضغط استخدام القوة على الرئيس الجميل في حينه. ولا داعي للتذكير بالمآسي التي سببها طموح عون للرئاسة في ذلك الزمن، للمسيحيين واللبنانيين جراء الحروب والأزمات التي أطلقها. كما أن تطور التوازنات الطائفية احتاج إلى توزيع جديد للشراكة في السلطة، يشذب من صلاحيات الرئاسة..

حاول بعض النواب المسيحيين في الطائف إقناع زملائهم من نواب مسلمين ومسيحيين أيدوا الإصلاحات الدستورية، ألا يأخذوا رؤساء الجمهورية المقبلين بجريرة عون وممارساته، فجاءت الصيغة التشاركية على الشكل الحالي، من دون تحديد مهلة للرئيس المكلف كي يشكل الحكومة ولا مهلة لرئيس الجمهورية كي يجري الاستشارات الملزمة.

افترض المشترع الحد الأدنى من حسن النية في تفسير النص، بدلاً من أن يُستخدم توقيع الرئاسة للتعطيل، باسم حقوق الطائفة، بينما الهدف شيء آخر.

هكذا صارت العودة عن تعطيل قيام الحكومة مشروطة بالحصول على القدرة على تعطيل عملها بعد التأليف، عبر الثلث زائد واحد. والفريق الرئاسي يريد اغتنام فرصة حاجة «حزب الله» إليه، من أجل فرض هذا الشرط من جهة، ومن أجل استعادة القدرة على تسمية رئيس الوزراء، بطريقة سلبية، أي بتمكينه من الاستغناء عنه في حال لم «يستحسن تعبئة» الفراغات، بعد تكليفه، من جهة ثانية. لذلك يطرح تعديلاً دستورياً يلزمه بمهلة لتأليف الحكومة، يعتذر بانتهائها إذا تعذر التأليف. يغلّف الفريق الرئاسي إلزام الرئيس المكلف بمهلة، بأخرى تجبر رئيس الجمهورية على الدعوة للاستشارات، مفتعلاً المساواة بينهما، فيما المقصود تمكين الرئاسة من تقطيع المهلة للتخلص ممن لا ينسجم معه.

ما يفوت الفريق الرئاسي المطمئن لانتمائه إلى محور الممانعة، أن التعديل الدستوري إذا حصل، قد يؤدي هذه المرة إلى تشذيب جديد لصلاحيات الرئيس، بحيث تقتصر على إعلانه تسمية الرئيس المكلف، فيُترك للأخير تشكيل الحكومة، ليوافق عليها البرلمان أو يرفضها، من دون العودة إلى الرئاسة، مثلما هو حاصل في معظم البرلمانات. هكذا هو ميزان القوى.

أي معركة دونكيشوتية يخوضها هذا الفريق الذي يمهد لهدر دور الموقع المسيحي الأول مجدداً؟