Advertise here

هل فعلا لم يحصل التقاط لحظة مبادرة بري؟

22 آذار 2021 09:45:19

يهوى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الخروج من الروتين السياسي ويرفض التصلب عند مواقف لا يتزحزح عنها اصحابها، فيسارع الى اجتراح الحلول والتوصل الى التسويات التي تؤدي الى التفلت من الانهيار الكبير. هذا ما لمسه في عز أزمة تأليف الحكومة وسد الابواب وسط الكباش المفتوح بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. وتوجه الى بعبدا وهو من اكثر المعترضين على سياساتها ومشاريعها مع الاشارة الى ان التقدمي رأى ان هذا العهد بدأ بالتهاوي والتراجع منذ سنته الاولى على عكس ما يرافق رؤساء الجمهورية. 

وليس غريباً على المدرسة الجنبلاطية اللجوء الى مثل هذه الخيارات فسبق لكمال جنبلاط ان اجرى الكثير من المراجعات في مسيرته وتحديده أين أصاب وأين أخطأ وتوقفه عند "طاقة الشعب" ومهما كان حجم حضور الزعيم. وسبق لجنبلاط الاب ان التقى بشير الجميل وكان الثاني في مطلع شبابه السياسي وسمع من رئيس "الحركة الوطنية" انذاك عبارته الشهيرة :"يجب ان تنتبهوا. اذا دخل السوريون اليوم لا احد يعرف متى يخرجون". ولم يصغ قادة الموارنة يومها لهذه التحذير من زعيم المختارة الذي كان في وضع سياسي وعسكري جيدين. ومن هنا يكرر جنبلاط الابن تجارب أبيه ويعمل على تسوية مع عون والجميع يعرف ان الرجلين لا يلتقيان لكن الحزب التقدمي يعرف سلفاً ان لا مفر من التعاون مع عون والعمل على تأليف الحكومة، ولا سيما ان اللبنانيين لم يقدروا على الصمود امام كل هذه التحديات السياسية والمعيشية وجبه هذا الواقع. ويبدو وكأنه يقول لمن يراهن على الوقت ويعمل على اجبار رئيس الجمهورية على الاستقالة فهو على خطأ ولا شيء يجبره على هذه الخيار. وسبق لقوى 14 آذار بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ان تعاونت مكرهة مع الرئيس اميل لحود وشاركت معه في ولادة الحكومة لأنه يملك سلاح التوقيع النهائي لمراسيم التأليف زائد ان شخصيات مسيحية انذاك لم تقو على الاعلان او الدعوة الى استقالة لحود وبغض النظر عن موقف بكركي المعروف الرافض لاجبار اي رئيس على مغادرة بعبدا.
 
 وفي جعبة جنبلاط واركان فريقه جملة من الملاحظات على اداء الحريري ولا يؤيدون بالضرورة طروحات عون وتعاطية مع الرئاسة الثالثة لكنهم يعتبرون ان الرئيس المكلف لم يتقن فن "التقاط اللحظة" التي تمثلت بمبادرة الرئيس نبيه بري والتي لا تمنح اي فريق الثلث المعطل في حكومة من 18 وزيرا. وعندما اقدم رئيس المجلس على مبادرته هذه قبل اسابيع لاقت تأييدا سريعا من جنبلاط فضلاً عن "حزب الله" الذي رفض بدورة حصول اي فريق على هذه الثلث. ولم يتلقف الحريري هذه المبادرو واقله في بداياتها. وتعاطى معها ببرودة وان لم يعلن رفضه لها لحظة تلقيها. وكانت قد وصلته عبر النائب علي حسن خليل. ولاقت ترحيباً وتسويقاً كبيرا من نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي الذي خرج في اكثر من اطلالة وبشر اللبنانيين باقتراب صدور مراسيم الحكومة ثم غاب عن الشاشات.

 لم يقتنص الحريري مبادرة بري مباشرة والتي تمت متابعتها بدخول اللواء عباس ابرهيم على خط التقريب بين عون والحريري ولا سيما بعد قبول الاول بخمسة وزراء زائد وزير الطاشناق وان يسمي مجموعة من الاسماء لوزارة الداخلية ليختار الحريري واحداً منها، لكن الاخير بقي يجول في الخارج. ولم يفاتح الرئيس ايمانويل ماكرون بقبوله بهذا الطرح ولا سيما ان المستشار باتريك دوريل استمر في اتصالاته المفتوحه مع عون وبري وجنبلاط. وبذل ابرهيم جهودا لانجاح هذه المبادرة التي تخرج التأليف من هذا النفق وبقي على تواصل مع مدير وكالة المخابرات الفرنسية برنار إيمييه. وعندما تلقى العونيون وتحديدا باسيل رفض الحريري وعدم زحزحته عن شروطه ومنها حصول حكومته المنتظرة على ثقة تكتل "لبنان القوي" فجاءه الرد منه بدعوة الرئيس المكلف الى التمهل وإعادة قراءة خياراته في التأليف. ولم تعد المبادرة الفرنسية في ذروتها بعدما تكفل اللبنانيون في فرملة مفاعليها طوال كل هذه الاشهر ومن دون ان يتخلوا عنها. 

وثمة من يعود هنا الى جذور المشكلة قبيل تسمية الحريري لرئاسة الحكومة ويقدمون كلاماً ليس من باب الدفاع عن باسيل وهم لا يلتقون معه لكنهم يرون ان الحريري اتصل بالنائب أسعد حردان واستقبل النائبين خليل ووائل أبو فاعور موفدين من بري وجنبلاط فضلاً عن المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله حسين الخليل في بيت الوسط فيما رفض التواصل مع باسيل الذي سيبادله بالطبع بالشروط والفيتوات ولا سيما ان العونيين يتعاطون بحساسية عالية في الثلث الاخير من ولاية رئيس الجمهورية وليس عهده لأن التعبير الثاني كان يصح على رؤساء قبل الطائف عندما كان الواحد منهم سيد اللعبة في تأليف الحكومة واختيار الوزراء. 
 
 وبعد ان قال بري كلمته في انتظار تحقيق مبادرته مع دعوة جنبلاط المعنيين الى الدخول في تسوية لا تكون على حساب أحد قبل فوات الأوان يبقى الجواب النهائي عند عون والحريري ليتحملا مسؤولياتهما التاريخية في هذا التوقيت الذي لا يصب في مصلحة لبنان الذي وصل الى مشارف الهاوية.