Advertise here

الشيخ فواز محمد الحلبي فقيد الأصالة والوفاء

21 آذار 2021 17:15:09

بين ضيعتينا الخلوات والكفير مدى نظر تتراءى فيه حركة الناس إذ لا تنفصل الضيعتان إلا بغابات صنوبر يفوح عطرها وتتكور أكوازها وسنديانٌ يعطيك الإخضرار ولا يبخل بحاله وقوداً للنار، أما حقول الزيتون فتمجد الخالق وتعبئ خوابي الزيت من نعم الله...
 
وممّا لا يُنسى أننا متفقون أن نسبتنا إلى الكفير إسمياً هي للتمييز بينها وبين الخلوات الأخرى في البياضة الشريفة وفي المتن والمناصف، لذا فقواسم القيم والعادات والتاريخ تجمعنا على الألفة وصدق حسن الجوار الذي لم تعكره الأحداث إلا مرة واحدة في بداية القرن الماضي في تحديد خراج ضيعتنا حُسم رضائياً بحكم من قائمقام حاصبيا المغفور له الأمير فؤاد الأطرش وما زال شعار الوئام والرضى معززاً عميقاً بين أجيالنا.
 
تمتد الكفير من أقدام حرمون حتى سفوح جبل الظهر وتنتشر في رحابها أربع مزارع عَمُرت بالسكان والبنيان، أمّا الخلوات فتعمرت كما يُروى قديماً على أنقاض دير زمن الرومان وحديثاً في خلوات لعبادة الرحمن زمن التوحيد، فكثرت فيها الخلوات حيث ما يزال بعضها يُنبئ بماضيها رميم آثار في خلوة الشيخ نرش وجيرانه، ومن خلوات للعبادة تطورت إلى قرية للعيش الرضي الآمن بناس ٍ يحفظون تاريخهم وأمجادهم وعرق أجدادهم.

خطت الكفير خطوات متقدمة في المجال السياسي وأفرزت قيادات لامعة منذ العثمانيين فهي بلدة المرحوم حمد بك نوفل صاحب الوجاهة، وكان علمها في القرن الماضي الزعيم العربي الذي تجاوز حدود الأقاليم والأوطان المغفور له فارس بك الخوري، وبين التاريخين وحتى اليوم تزخر القريتان برجال بررة أهل طاعة وإيمان من مختلف عائلاتها الروحية.

في هذه البيئة الحاضنة من رحابة الجغرافيا إلى عمق التاريخ وغزارة الإيمان والتوحيد عاش المرحوم الشيخ فواز الحلبي سليل أسرة كريمة عُرفت بالتقوى وطاعة الديان والتزام الإستقامة في المعاش والمسلك الشريف.

الشيخ فواز رحمه الله بعد أن أنهى دراسته الإبتدائية في الكفير في مدرسة كان لبطريركية دمشق الأرثوذكية فضل في بنائها بهبة من القيصر نقولا الثاني، بقيت متواضعة إلى أن كانت نهضتها على يد المدير المرحوم يوسف كحيل الصيداوي المنشأ والكفيري الهوى والحياة فأعلاها مستفيداً من علاقةٍ أسرية مع آل الخوري الكرام وبعده خطت صعوداً مع المعلم المرحوم رجا أبو رزق إلى أن بلغت شأناً متقدماً حتى العقد الأول من قرننا الحالي.

شأنه شأن أقرانه من الحارتين الشرقية والغربية وللعلم فلم تعرف الكفير قسمة في حاراتها ولا مرة بنسبتها إلى إيمان قاطنيها بل إلى الجفرافيا، يومها كانت قرى الريف اللبناني تحصي وثبتها العلمية بعدد أبنائها الناجحين في السرتفيكا والبروفيه، أمّا الكفير فكانت سباقة وبرز أبناؤها أعلاماً في الطب والمحاماة والتعليم والأدب والإدارة والصحافة والهندسة والقضاء وتكفي نظرة واحدة على هذه النخبة للتعرف على مدى تقدمها في علوم الحياة الحديثة وكان شيخنا واحداً من هذه النخبة الكفيرية.

فهو المثقف والمتفاني في خدمة مجتمعه مشكلاً منذ شبابه جسر تواصل بين حارتيها ونافذة مودة بين المتعدد والمتكامل والمتعاون والمتعايش من قاطنيها...

كان فخوراَ بنجاحات أبنائها في كافة ميادين العلوم يشير دائماً إلى مغتربيها الأفاضل الذين لم يقطعوا حبل عواطفهم مع الوطن فساهموا في إعلاء شأنها بتشييد المدرسة والبلدية ودار البريد والإنارة والمياه وشق طريقها إلى حاصبيا عبر ميمس، لله در تلك السواعد وتلك المروءات الفاضلة التي عمّرت البلدة وأكسبتها التقدم في مجالات الحياة.
 
الشيخ فواز تكامل مع أفكار النخب السياسية فشارك وساهم في سلوك دروب التضحية من أجل مجتمع الكفاية والعدل على خطى المعّلم الشهيد كمال جنبلاط، فكان مميزاً في عطائه وفير النصح والإرشاد والجهاد.

الشيخ فواز تكامل مع إدارة الخير في بلدته وجوارها وكان المبادر والمبارك لاستنهاض زراعي في تعاونيتي النحل والزيتون.

وفي العقد الماضي إستجاب للحكمة الشريفة وتزيا بزي رجال الدين الأفاضل وسلك مسلك الطاعة والعبادة.

سيذكرك أهل الكفير ما عاشوا رائداً مقداماً في العطاء مساهماً فاعلاً في نهضتها في ميادين التعليم والتنمية والزراعة، وسيبقى اسمك يتردد كلّما بدا لأبناء الكفير مشروع لنهضتها وكلّما أتى الخير مع ربيع مواسم العسل وتشارين الزيتون وكلّما صدح صادحٌ أن هبوا للعمل للنخوة للعطاء...
 
رحمك الله أيها الشيخ الطاعن في اللياقة والأدب والتضحية، وكل العزاء بمن ربيتهم من أحبةٍ وأبناء أخوةٍ وأخوات وأصدقاء يسلكون طريقك في عمل الخير، وكم كان اهتمامهم بك كبيراً وخسارتهم لك مؤلمة.

لن نبكيك أيها الراحل لأنك كنت تريدنا أن نكون دائماً فرحين في الحياة وفرحين مبتسمين يوم الحساب بين أيدي الرحمن.
 
رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه.