أمي
لقد سرقوا منا الأمل ونسغ
الحياة، فلم يبقَ في الجعبة
سوى باقة من حرير الكلمات
هديةً لكِ في عيدكِ
في عيدك أستميحُ جنان الخلد عذراً، وأستمطرُ القيَم محبة ووفاءً، وأقطف شمائل النور ربيعاً أخضر أنثرها تحت قدميك.
أمي... أيتها الأيقونة المنذورة للخير والعطاء، والقدّيسة التي يعبق بخور محبتها في حنايا الروح... أنتِ فيضٌ من نور الله، بل سرّ الله في خلقه...
أمي يا من زرعتِ حقولنا قمحاً موشّى بالسمر، واستمهدت الأرض كي نستريح، واستلحفتِ السماء كي نستفيء، وذرفتِ الدمع كي تورق فينا الحياة. نشتاق اليوم إلى قمحكِ، ونشتهي طيب خبزك الفوّاح بعدما أجدبت الأرض، واحلولكت السماء في وطنٍ كان زينة الأوطان.
ويحيّرني تجوال العين بين عطاءاتكِ وتضحياتك أيّتها الأم الخزامية الفوح، السوسنية اليدين، والبلورية النقاء...
أنتِ همسُ الربيع للأرض، ومزود حنانٍ يملأ جعبة العمر... من نور عينيكِ تشرقُ بهجة الأحلام، ومن ديَم عطائك يتلوّن زهر الزمان.
أمي... لقد قرأتُ في كتب الحضارات القديمة أن الرجل الذي دجّن ضواري الغاب قد أنسنته المرأة - الأم، الواهبة للحياة، والمؤتمنة على ديمومة الوجود. واليوم نتساءل باسمكِ أمي: مَن سيؤنسن الضواري البشرية التي تنهش لحمنا الحي، وتلتهم لقمة العيش من أفواه أولادنا؟
أمي... نقول الوطن - الأم، فإذا بوطننا يتخلّى عن أمومته لصالح حفنةٍ من المتسلّطين، يعودون بنا إلى شريعة الغاب، فلا قانونٌ يحمينا، ولا قضاءٌ يعدل بيننا، ولا نورٌ يضيء منازلنا، ولا ماءٌ يروي ظمأنا.
أمي... صلِّ من أجلنا كي نبقى متماسكين موحّدين في وجه سلطة المستكبرين، وكي تبقى جذوة الأمل متوقّدة في قلوبنا، وعزيمة التغيير مترسّخةً في نفوسنا من أجل رفع الظلامة، وصون الكرامة، كي يبقى الوطن.
وفي هدوة نور الأمومة أقول:
أمي ... سنبقى أطفالكِ حتى ولو حطّ بنا الزمان في أرض خريفهِ. نحِنُّ إلى دفء حضنك. نشتاق إلى همسِ صوتك. نتوق إلى لمسِ يديك، ونأنسُ إلى نبضِ قلبك كي تتورد فينا الحياة...
أمي... كيف لجفون الليل أن تغفو لو لم تكوني أنتِ وعد الصباح...
مع تحياتي لجميع أمهّات العالم قاطبة.