كتبت يارا المصري:
44 سنة على استشهاده، وما زال حيّاً... جريمةٌ هزّت نفوس الأحرار المؤمنين بالقضية، قضية شعبٍ آمن بالحرية، والعروبة، والاشتراكية.
قتلوه برصاصات غدرٍ استهدفت رأسه. أرادوا منها قتل أفكاره ومبادئه التي أزعجتهم. لكنهم أغبياء. لم يعلموا بأن أفكار العظماء لا تموت. هو استشهد لكن أفكاره ظلت حيّة، وخلّده التاريخ كأحد أعظم شخصيّاته التي لن تتكرر. شخصية مناضلة استشهدت في سبيل الحق و الحرية.
منذ 16 آذار 1977، لم يعد كمال جنبلاط حاضراً جسداً، لكنّه مازال حيّاً بمبادئه، بأفكاره التي خلّدها التاريخ، وبقضيته التي توارثتها الأجيال. رجلٌ من أعظم العظماء استطاع الجمع بين شخصية القائد الزعيم، والمتواضع صديق الشعب وأب الفقراء. هو فيلسوفٌ قديرٌ ترك كتباً وأقوالاً مأثورةً تحمل أدب الحياة، وأُسس الديمقراطية والحرّية، وطرق النضال من أجل قضية خالدة لإحقاق الحق. لم يخشَ الموت بل قال، "أموت ولا أموت، لا أبالي فإنّ العمر من نسج الخيال". من مبادئه المقدّسة "الحرية"، فقد اعتبرها الجهاد الأكبر وأثمن ما في الوجود التام.
كم يحتاج لبنان اليوم إلى أمثاله من رجالٍ عظماء في زمنٍ غابت فيه المبادئ، وأصبحت فيه القضايا من الشعارات الزائفة تحمل خلفها مشاريع وأطماع سياسيّة، وباع فيه الحكام أوطانهم، واستشرى الفساد في أركان الدولة.
وفي زمن يبرع فيه الحكام بخطابات مثيرة للنعرات الطائفية والدينية، تقسّم الشعب اللبناني لمجموعة شعوب متناحرة، وتقسّم الدولة اللبنانية إلى مجموعة دويلات تابعة، أصبحت الديمقراطية حبراً على ورق والحريّة صوتاً مقموعاً، وتبقى وصيّته الخالدة، "إذا خُيّر أحدكم بين حزبه وضميره، فعليه أن يترك حزبه وأن يتبع ضميره، لأنّ الإنسان يستطيع أن يعيش بلا حزب، ولكنه لا يستطيع أن يحيا بلا ضمير". فكم كثرٌ اليوم أولئك الذين باعوا ضمائرهم، وشعوبهم، وأرضهم، ولم يبالوا...
في زمنٍ غاب فيه المنطق، وسيطرت فيه الفوضى نشتاق كمال جنبلاط، ونحلم بأمثاله من عظماء. ضحّى بحياته من أجل الكلمة الحرّة، ومن أجل قضيّة وطن، قضية شعب وأمّة. لم تغرِه السلطة، ولم تبعده السياسة عن مبادئه. ظلّ حرّاً جريئاً، ثابتاً بمواقفه، ولم يخضع ولم يضعف. قتلوه لأنهم يكرهون المثقفين، ويخشون الحريّات، وترهبهم الكلمات، وترعبهم الجرأة. قتلوه غدراً لأنهم جبناء ضعفاء يخشون المواجهة.
يقول كمال جنبلاط أنّ، "الحب الإنساني الشامل يجعل الإنسان يتجلّى بكل إنسان". لقد تمكّن من أن يتجلّى في ذاكرة وطن، وفي نفوس شعب حرّ. أفكاره تجلّت في شعارات الثورات، وفي قضيّة أمة، وهي محفورة في ذاكرة تاريخ النضالات، في قصّة وطنٍ أهلكته الحروب والصراعات.
إنّ لكمال جنبلاط نظرة مختلفة للحياة قائمة على مبدأ الحريّة أولا وآخراً. يؤمن أنّ الحياة انتصارٌ للحق، للسلام، للنضال، للقوة، للديمقراطية، للثورة وللشعب. ويرى فيها قضيّةً ومبدأً، وصراع في سبيل الحق، وقوّة خالقة فعالة باستمرار. وهو يؤمن أساساً بأن "الحياة انتصارٌ للأقوياء في نفوسهم، لا للضعفاء"...