Advertise here

واصفاً كمال جنبلاط بـ"المتنبي"... بزيع: المعلّم لم يهرب من الموت في الوقت الذي هرب فيه الآخرون

18 آذار 2021 14:44:00 - آخر تحديث: 18 آذار 2021 17:50:45

"كمال جنبلاط الشاعر"، عنوان اللقاء الثقافي- الفكري الذي نظّمته مفوضية الثقافة في الحزب التقدمي الاشتراكي وجريدة "الأنباء" مع الشاعر شوقي  بزيع، عبر تطبيق "زووم" بمشاركة عددٍ كبير من  المهتمين والناشطين في الأوساط السياسية والفكرية والثقافية والشعرية ومسؤولين حزبيين وجمعيات ثقافية من مختلف من كافة المناطق.

استهل اللقاء بتحيةٍ لروح المعلّم الشهيد كمال جنبلاط من خلال عرضِ شريطٍ مصور لأغنية "جبل الباروك" بصوت الفنان مارسيل خليفة،  ثم  تحدّث مفوّض الثقافة، فوزي أبو دياب، فحيّا الشاعر شوقي بزيع "الذي ارتبط اسمه بقصيدة جبل النار، أو جبل الباروك، والتي كانت أيقونة المرحلة منذ استشهاد المعلّم كمال جنبلاط. 

بزيع
الشاعر شوقي بزيع اعتبرَ أنّ علاقته بالمعلّم نادرة وغريبة، لأنه لم يُتَح له التعرّف إليه بشكلٍ شخصي، وقال: "أنا من الجيل الذي سبق الحرب، وكنتُ زميلاً للشهيد أنور الفطايري في كلية التربية، وعشنا فترة ما قبل الحرب. وأنا رأيت كمال جنبلاط مرةً واحدةً بأم العين في مهرجانٍ للحركة الوطنية في سينما بيبلوس في ساحة البرج، وكنتُ في السنة الأخيرة من دراستي في كلية التربية 1973".

 ولفت بزيع إلى أن هذه العلاقة، شأن كل العلاقات الأجمل والجوهرية، تسمو عن ذلك الغالب التراثي للوجود الذي لطالما اعتبره كمال جنبلاط ثانوياً وهو الجسد، مشيراً إلى أنّ هذه العلاقة قامت على الفكر، وعلى التخاطر الروحي، والمودة الحميمة التي لم  يكن شرطها أن يعرف كمال جنبلاط ويعرفه.

وأكّد أنّه بعد جمال عبد الناصر شكّل كمال جنبلاط ظاهرةً قويةً بالنسبة لكل الذين آمنوا  بمبادىء  عبد الناصر، رغم كلّ ما شاب تلك التجربة الناصرية من عثرات وثغرات، حول الاستبداد والتفرّد وقمع الحريات. ولكن ما يبقى من التجربة كان أهمّ بكثير من حيث الشعور بالكرامة، ومواجهة الغرب وعدم الرضوخ والمساومة.

ولفت بزيع إلى أن كمال جنبلاط شكّل بالنسبة له الرمز المتعدّد الذي استطاع  أن يجمع هذه المزايا في رجل. لذلك كان مقدّراً لهذا اللقاء أن يكون تحت عنوان كمال جنبلاط الواحد المتعدّد، فهو كان كمظلةٍ جامعةٍ مع صلابة وحضور. هذه الشخصية فيها شيء من خصائص الشعراء والكتاب والمبدعين والفلاسفة.

وقال أيضاً، "عندما تحدّق في عينَي كمال جنبلاط تشعر بشيءٍ غريب، تشعر وكأنّه شخصٌ في الأرض وخارجها، فيه بريقٌ وكهرباء خاصة متواصلة مع مَن يقابله. ولكن في جانبٍ آخر تجده وكأنه متصلٌ بالماوراء بعوالم أخرى، وتكتشفها عندما تقرأه لاحقاً.

وأضاف، "في ظل طبقةٍ سياسية تحمل هذا القدر من  الجهل، والاهتراء، والسطحية، والضحالة، أيّ مرارةٍ كان يعيشها كمال جنبلاط وهو يحاور مَن ليس من أنداده، خاصةً وأنّ السياسة في لبنان هي دنسٌ ومستنقع، فكيف استطاع أن   يوائم ما بين هذا السطح السياسي لروحه الذي كان يفرض عليه التعامل مع وقائع يومية صغيرة، وبين ما يصبو إليه من الاتحاد بالأكوان الأكثر جوهرية. 

كل هذه الأمور مع طريقة اغتياله الرهيبة أشعرتنا باليتم للمرة الثانية بعد جمال عبد الناصر، كحركةٍ وطنيةٍ كانت تعتقد أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى مبتغاها. ولم نكن ندري أن هذا البلد ليس مسموحاً له أن يحقّق  أي اختراق، وأن نصل إلى ما نحلم به، في ظل عالمٍ عربي متهاوٍ.

وهذه هي غربة كمال جنبلاط التي تحدّث عنها أحد الشعراء الذي قال: إنّي لا أفتح عيني حين أفتحها على الكثير، ولكن لا أرى أحداً".

وأكّد بزيع أن التراجيدية الجنبلاطية منذ أيام بشير جنبلاط مفتوحةٌ دائماً على الموت، إلى حد أنه لم تعد فيه المختارة هي طريق في الجغرافيا أو المكان، بل أصبحت المحجة أو نقطة الدائرة، والمكان الذي نصل فيه إلى ذروة الاتحاد في العالم، حيث نشوة الوصول تقترن بالموت. 

ورأى بزيع أن ما فعله القاتل مع كمال جنبلاط هو أنه حرّره من البُعْد الترابي، لذلك فإنّ كمال جنبلاط لم يهرب من الموت في الوقت الذي هرب فيه الآخرون، وتابع: علاقة  كمال جنبلاط  مع الشعر أنّه ميّز ثلاثة أصناف من الشعراء: الشاعر السطحي العارض، وتهذيب كمال جنبلاط منعه من القول بأنّ هذا النوع من الشعراء نظّامون.

وعرض بزيع لأولى الصور التي دارت في مخيّلته عند استشهاد كمال جنبلاط، فقال بأنّ، "أول مشهدية شعر بها عدا الشجر الذي يسير منكسراً بعد الاغتيال، تصوّره بأنّ كل أهلنا في الجبل والمقيمين عليه يمشون أيضاً في مسيراتٍ جزء منها حزين وجزء غاضب، و كان مشهداً ملحمياً، كما هي حالة الاستشهاد. أمّا بالنسبة لجملة "أظنّها طلقات الغدر"، فعندما ترى عينَي كمال جنبلاط تشعر بكمية الصلابة، والحنان، والعمق، الموجودة في نفس الوقت". وتابع: عندما رأينا صورة الاغتيال وجدنا أنّه لم يحاول الهروب على الإطلاق، لأنّه أصلاً كان ينتظرهم على مفترق الحياة والموت، "مفترق دير دوريت"، إلى مفترقٍ وجوديٍ يصل بين الحياة والموت، فكان ينظر إليهم بعينين مفتوحتين، وهذا ما دفعني إلى القول، كيف لم تخجل الرصاصات، ولم ترتد إلى مطلقيها.

ووصف بزيع المعلّم كمال جنبلاط بـ"المتنبي معكوساً". فالمتنبي كان عنده السلطة على القلم، وكان يحنّ إلى السلطة السياسية على الأرض، يعني أنّ الروحي يتوق إلى ماديّته، والسماء تحنّ إلى أرضيّتها. أمّا عند كمال جنبلاط فإنّ السياسي الذي فيه، والذي كان مكرهاً عليه بحكم وضع لبنان، وعلى ما يترتّب على وجوده فى المختارة، كان يرى أن هذا هو الجانب الأرضي  في شخصيّته، لذلك لم يكن يرد على كل الأسئلة التي لديه، فكان هو السياسي، ولم يرَ فيها إلّا الهشاشة، فذهب باتّجاه سلطة المتنبي، والتي هي سلطة اللغة  والشعر، والغريب أنهما ماتا مقتولَين. فعدم القدرة على التوفيق بين السلطتين في عالمٍ ظالمٍ وغير متفهم، وهذه المصالحة المستحيلة بين الزائل والأبدي، والروحي والمادي، وبين المستنقع السياسي وبين مثالية الفكر، هي التي قتلت  المتنبي. وكمال جنبلاط أيضاً دفع الثمن غالياً لأنه لم يستطِع أن يوفق بين الدنيوي والصوفي الروحي العرفاني .

وأشار بزيع أيضاً إلى أنّ المعلّم الشهيد كان كنهر العاصي يمشي عكس السير. ولأنّه كسر الحواجز بين الحياة والموت، ولأنه لم يكن يعتبر بأن النهاية التي يراها الأخرون حزينة ومعتمة، وما يبقى من الجسد بعدما يطمره التراب، كان  يعتقد أن هذا الجسد ليس سوى قميص ظاهري. نحن نذهب من الجسد الذي يبقى نحو الجسد الأكثر جمالاً.

ولأنّ كمال جنبلاط كان يريد أن يتوحّد بالعالم، وأن يصل إلى الذروة والغبطة الأخيرة لعلاقته بالأشياء ووحدة الوجود، وصل إلى الخلطة الجوهرية، لذلك كان عنده هذا الفرح في الوجود، وكان يؤمن بأن تكون هناك نخبة وصفوة تقود التاريخ.

حديفة

رئيس تحرير جريدة "الأنباء" ومفوض الإعلام في التقدمي صالح حديفة تحدث شاكراً بزيع على اللقاء الفكري الجميل والحوار الراقي الذي يجمع بين عذوبة العاطفة التي نحملها لكمال جنبلاط وعبّر عنها بزيع في شعره وبين عبق الفكر الذي قرأناه في تراث المعلم الشهيد.

 بعدها جرى حوار بين الشاعر بزيع والمشاركين حول دور الثقافة في مواجهة التحديات الراهنة.