Advertise here

عشر سنوات على الثورة السورية... النزف مستمر ومحاولة جديدة لتعويم النظام

18 آذار 2021 10:20:00 - آخر تحديث: 18 آذار 2021 12:22:50

دخلت الثورة الشعبية السورية عامها الـ 11 مثقلةً بحصيلة قتلى تجاوزت 388 ألفاً، وعشرات آلاف المفقودين والنازحين، فضلاً عن نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها، ودمار البنى التحتية واستنزاف الاقتصاد.

 وفي الوقت الذي جدّد السوريون داخل سوريا وخارجها المطالبة بالحرية،  وبإسقاط النظام، كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يقدّم العروض إلى دول الخليج العربي لاسترضائها والتوسّل إليها تقديم الدعم في إعادة الإعمار وإعادة احتضان النظام وتعويمه.

وفيما ارتبطت زيارة لافروف إلى السعودية والإمارات وقطر، بالتحليلات والتسريبات الإعلامية التي تزامنت مع تسجيلات صوتية جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي عن انتقال رئيس النظام السوري وزوجته إلى موسكو، إمّا للعلاج من وباء كورونا الذي أعلن النظام إصابته به، أو للإقامة النهائية في روسيا باعتباره مدخلاً لحلّ الأزمة السورية الذي توافقت عليه موسكو وواشنطن.

لكن المعطيات المعلومة حول العلاقة الروسية- الأميركية في ظل إدارة بايدن تشير إلى عكس ذلك. فالعلاقة بين البيت الأبيض والكرملين تشهد، ولأول مرة، درجةً عالية من الفتور والانقطاع في الاتصالات بما فيها الروتينية الأمنية والعسكرية، والتي تأثرت بالضربة الجوية التي وجّهتها القوات الأميركية لمواقع الميليشيات الإيرانية في شرق سوريا رداً على الهجمات الصاروخية التي أصابت القاعدة الأميركية في أربيل، والتي لم يتم إبلاغ القوات الروسية عنها إلّا قبل دقائق قليلة خلافاً للبروتوكول السائد بين الجيشين في سوريا. وهذا ما أزعج روسيا وفق ما عبّر عنه لافروف بشكلٍ واضح وصريح.

إضافةً إلى ذلك، فإن المبعوث الخاص للرئيس بايدن، بيرت ماكوريك، والذي يُعتبر من أكثر المتشدّدين في مواجهة روسيا وإيران، طالب روسيا بتنفيذ التزاماتها في سوريا، لا سيّما المرحلة الانتقالية المنصوص عنها في اتفاق جنيف، وحمّلها مسؤولية تعطيل مهام اللجنة الدستورية التي تقودها الأمم المتحدة، والتي أدّت إلى انخفاض مستوى الاتصالات الأميركية – الروسية، وهذا ما يقلق روسيا اليوم، حيث تحاول تنشيط العلاقة مع تركيا وفتح علاقة جديدة مع دول الخليج العربي. ولذلك يمكن اعتبار جولة لافروف الأخيرة بمثابة توسّل سياسي لفتح قنوات تؤدي في نهايتها إلى واشنطن، بعد أن أغلق المكتب البيضاوي أبواب الحوار مع روسيا، واتّهمها بتعطيل الحل في سوريا، ويتّجه لتنشيط العقوبات عليها من خلال الاتحاد الأوروبي.

تقول الإدارة الأميركية بكل صراحة إن النشاط الروسي في سوريا لن يستطيع وضع أولويات تثبيت السلطة، وإعادة الإعمار، وحلّ مشكلة اللّاجئين، وهذا ما عملت عليه الدبلوماسية الروسية خلال الأشهر الخمسة الماضية، فنظّمت مؤتمرات لإعادة اللّاجئين، وأعلنت عن أولوياتها التي تخدم مصالحها. لكن تلك الأولويات لا تنسجم بالمطلق مع أولويات واشنطن، ولا مع أولويات الاتحاد الأوروبي الأكثر تأثراً وحضوراً في الأزمة السورية، وبالتالي فإنّ فشل مؤتمر اللّاجئين الذي عُقد في دمشق، وكذلك فشل الاجتماعات التي عُقدت في سوتشي تحت عنوان آستانة، والتي لم ترسل واشنطن أياً من موظفيها للمشاركة فيها لاعتبارها انحرافاً عن مقررات مؤتمر جنيف، والقرار الدولي 2254.

إضافةً إلى ذلك، يأتي في السياق عينه موقف البيت الأبيض، ومواقف الاتحاد الأوروبي، الاستباقية من الانتخابات السورية التي تعد لها موسكو مع الأسد لإعادة انتخابه في السلطة، واسترضاء إسرائيل من خلال تلبية مطالبها المرتبطة بالتعاون لإخراج الإيرانيين وأتباعهم من سوريا، واستيعاب الضربات الإسرائيلية المتلاحقة على المواقع الإيرانية، وتمهيد الأجواء لإقامة علاقة مباشرة بين إسرائيل والنظام السوري.

هذه السياسة تدل على أن روسيا تحاول، ومن خلال استرضاء إسرائيل، والدوحة، والرياض، والإمارات، الوصول إلى واشنطن، سواءً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وهذا ما كشفته الصحافة الروسية التي رأت أن، "المشكلة مع واشنطن هي مشكلة انقطاع الاتّصال، وعدم الحوار حول الأزمة السورية".

أعلن الاتحاد الأوروبي صراحةً أنه لن يعترف بالانتخابات السورية، وأن نتائجها لا تعني تجديد شرعية النظام، ثمة معطيات لدى روسيا تجعلها تعيد النظر بخطة عملها والأوراق التي تمتلكها، وكيفية استخدامها لأنّها إذا ما حصلت على دعم مالي لإعادة الإعمار وحل مسألة اللّاجئين، لن تحصل على أي ثمنٍ حقيقي لوجودها في سوريا، حيث أن الثمن المباشر الذي حصلت عليه من توسيع قاعدة حميميم العسكرية، وتوسيع قاعدة طرطوس البحرية، وفتح قاعدة عسكرية جديدة للقوات البرية في منطقة تدمر على مساحة شاسعة جداً. وهذا الثمن لا يكفي روسيا، لا بل سيضاعف من تورّطها في الشأن السوري، وسوف يضاعف من إنفاقها المالي دون تحقيق مكاسب إضافية استراتيجية على غرار إعادة الإعمار التي توفر الاستثمارات الكبرى للشركات الروسية.

يجب أن تقتنع موسكو أن مصير الأسد ووجوده في السلطة لم يعد قابلاً للمقايضة، وأن محاولة إنتاجها لفكرة النموذج السوداني "إنشاء مجلس عسكري بقيادة مناف طلاس يجتمع فيه عددٌ من القادة العسكريين والأمنيين" كمرحلة انتقالية مرفوضٌ سلفاً من واشنطن، لأنه لا يتوافق وتوجهات المرحلة الانتقالية التي نصّت عليها مقررات جنيف، ولا يتوافق مع خريطة الطريق والأولويات الأميركية، وعليه ثمة خطوة على موسكو أن تسلكها من أجل فتح قنوات الحوار والاتصال مع واشنطن حول الأزمة السورية، وهي سياسة تثبيت التوازنات. وطالما تستمر روسيا في اللعب على التناقضات التركية والإيرانية، لتوسيع نفوذها، ولا تريد تثبيت التوازنات القائمة على ما هي عليه، فإن البيت الأبيض لن يدخل في حوار حول حلّ الازمة السورية.

 واشنطن شديدة الحرص على تثبيت الحالة السياسية والتمثيلية والعسكرية للأكراد، وتريد تحجيم الدور التركي وحصره ضمن الحدود التي وصل إليها في نهاية عهد ترامب، ولا تقبل باستمرار الوجود الإيراني العسكري في سوريا، وهذا ما لم تعمل روسيا على تحقيقه إلى الآن.

لذلك، وبعيداً عن التمنيات فإن الأزمة السورية ستبقى مستمرة، ولن تدخل في سياق التسوية الشاملة على قاعدة تنفيذ القرارات الدولية، ما لم تلتزم روسيا تنفيذ الخطوات المطلوبة منها، تمهيداً لإعادة فتح الحوار المباشر مع أميركا في الملف السوري.