مُعلمي. بعد أربعة وأربعين عاماً على غيابك لا زال حُضن الدار دافئاً كما اعتاده رواده ومُريدوه، وكما كان عليه منذ مئات السنين، بل قد يكون ازداد عاطفة وقدرة على التضحية والعطاء. ودور الحاضنة التاريخي لا زال فاعلاً ومؤثراً ومحورياً وجامعاً وحازماً وفائضاً بالعطاء... أقواس قناطرها وعتباتها وصلابة حجارتها وأعمدتها، وتوارث الأجيال على محجتها، شاهدة على مكانة حضورها وعمق بنيانها وتمسك المجتمع بقيادتها... الدار الحاضنة لم تتغير. لا في العقيدة، ولا في الإنتماء، ولا في المسؤولية، ولا في الواجبات، ولا زال الحسّ الإنساني رابضاً ومُمسكاً بكل زاوية من زواياها... التاريخ مُعلمي هو الذي تغيّر، شُركاء الوطن تغيروا، الأخلاق السياسية العامة تراجعت، القيم انكفأت، الإنتماء الوطني غاب، الأحقاد تراكمت، العبث بأمن المواطن حالة يومية طبيعية، هجرة الشباب مطلب وبيئة عامة، القطاع المصرفي سقط، مدّخرات الناس سُرِقّت، الإستئثار والتحكُّم بالدولة أصبحَ اجتهاداً واندفاعاً ضمن العقيدة الدينية المذهبية... الرئاسة الأولى حاضرة في الشكل وغائبة في المضمون والأمانة. أقزام السياسة تمكنوا، عبثوا بالتوازنات، بالمواقع، بالإدارات، بالمؤسسات، بالأمن، بالتعايش، بالثقافة، بالحريات، بوجه لبنان، نعم بهوية لبنان الذي تحوّل من وجهٍ مقبول لدى أشقائه إلى مصدر ارتياب وشكوك ورفض، من حالة فخر واعتزاز إلى انكفاءٍ وتراجع وخجل... نحنُ على ممرات الدببة ومعابر الذئاب، وجبة يومية للوحوش القاتلة المُفترسة الكاسرة. ننامُ على ألمٍ ونصحو على ألمٍ أعمق. هجرتنا الأحلام والآمال، وتحكمت بنا الخيبات والإخفاقات...
من حيثُ أنت مُعلمي... أعطنا جرعة من الصبر، ودفعة من القوة، وبعض حكمة مما حملت لاجتياز مراحل القهر التي نعيشها.