في ذكراك نستلهمك مصباحاً للعدالة والحرية

14 آذار 2021 12:48:25

حين نستذكر القائد والمعلم الشهيد كمال جنبلاط، نستذكر مسيرة مُفعمة بالعطاء اللامتناهي. نستذكره فيلسوفاً حكيماً، عارفاً، مُختزلاً أبهى مراحل ما مرّ به التاريخ الحديث. نستذكر اول ما نستذكر على سبيل المثال الحركة الوطنية اللبنانية، حركة احببنا ام لم نحب، هي فكر ووعي لقائد قلّ نظيره.

حركة لم تُولد من العدم، إنما هي ثمرة مسيرة نضالية طويلة لها مرتكزاتها وأصولها، سيما وأن طابعها، طابع جماهيري، وطني،تقدمي، وديمقراطي. بهذه الكلمات، نستشهد اليوم في ذكرى استشهادك. حركة لم تكن لتولد لولا فهمه لازمات لبنان الحادة تاريخياً، وفي مُقدّمها الازمات الاجتماعية المتواصلة، ناهيك عن هذه الطائفية التي كادت تذهب بمقومات لبنان ومكوناته، ترافقاً مع تنكرّ البعض يومذاك لمحيطه القومي.

وعلى هذا، فقد تجاوز حدود الوطن بهدف الوصول الى ما يوحّد العالم، انسانياً، وكونياً ، تحقيقاً للعدالة والحرية، والمساواة في أرقى معانيها. فكان ان قدم كل ما يملك من رؤى وافكار، تثبيتاً لقيم التسامح، والمحبة، والصداقة بين الشعوب، وتصدِّياً لحالات التخلُّف، وما يستتبعها من مواجهات اكثر تعقيداً قد تطال القضية والمصير.

وعندما نتذكره، نتذكر ما أودعه في النفوس من ثقة، ومبادئ، وأفكار جوهرية ثابتة ثبوت الدهر، واستمرار الزمان. فما تركه لنا مغروس في خَلَد الناس، وفي خَلَد المناضلين على مساحة الوطن كل الوطن. ومآثره شاهدة على ما تركه من فلسفة، وفكر، وثقافة، ونورانية كانت ولا تزال السلاح الامضى لكل الشعوب المقهورة، والمنتفضة بوجه الظلم والعَسْف الاجتماعيين. فعلى الجميع ان يدركوا ان المعلم لم يَغِب، ولم يُنسَ، و ساكن في القلوب، في قلب كل مؤمن، ومثقّف، وثائر، وسياسي يتلّهف، قيامة لوطن، وبناءً لإنسان. فالمعلم يُعيدنا في كل لحظة، وفي كل مناسبة ماضياً، كما اليوم الى القضايا الوطنية الكبرى، الى القضايا الاجتماعية والثفافية، والى قضية الانسان في كل مكان. ومن أهم مميزاته، انه كان يهدِّئ روعنا في حضوره الدائم بيننا، والتهدئة عنده، ليست عرضية او عابرة، بل هي فعل ايمان، وعمل بحتمية الانتصار ولو بعد حين.. هذا ما اخاف السفاحين، لا سيما لجهة امتدداد افكاره، وحسن قيادته، وثاقب نظره. وعلى هذا، سيبقى يُخيف هؤلاء، طالما  ان فكره باقٍ الى ما لا نهاية له. 

ان ما اسسه المعلم من ثوابت، لن يكون بمقدور لا لغابر الايام، ولا لقادمها محوه، او تجاوزه، سيما وان كل ما كان يؤمن به، حركة تغييرية قيامة لمجتمع جديد، تسوده الطمأنينة والعدالة. معلم رفع الفكر والقضية الى مصاف الانسانية، فكان ان آمن به وبمبادئه شرفاء وكرماء، فحملوا فكره تكملة للرسالة.

في ذكرى استشهادك نستذكرك في الميدان الوطني والقومي، يوم قدّمت كل ما تملك، حرصاً على عروبة لبنان وبقائه، وعلى الشراكة والتنوع، وعلى هذا العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، فكان هذه الالتقاء على قاعدة القضية والمصير. لقد عرفناك رجل الاصلاح السياسي، نشلاً للبنان من كل رواسب الطائفية المقيتة، التي جرّت على لبنان الويلات والكواريث، والتي ما زلنا نعاني آثارها حتى اللحظة.

فالالتقاء عند المعلم، التقاء بين الجميع، بين القوى المتصارعة والمتباينة للتوحد، ولصوغ برنامج على طراز برنامج الاصلاح السياسي والديمقراطي الذي اطلقه المعلم في بدايات الحرب المشؤومة، والذي ما زال صاحلاً حتى اليوم، توحيداً للبنان الشّتيت، وارساء للديمقراطية بكل انواعها، الشعبية، والاجتماعية والاقتصادية.

هذا الالتقاء ينسحب كذلك على المستوى العربي، بحيث من الصعوبة بمكان عزل لبنان عن عالمه العربي، كما يقول المعلم. كل هذا يظهر بوضوح في فكره، ونضالاته، وكل كتاباته، باتجاه تطلعه البعيد المدى والافق نحو الوحدة العربية، وصولاً الى قواسم مشتركة حول ما هو مقبول، تماشياً مع منطق التاريخ، ومستقبل الشعوب في البحث عما هو مشترك، بهدف ما يوحد انسانياً وكونياً.

اختصاراً. في ذكرى استشهادك، نستذكرك مصباحاً للعدالة، والحرية، والديمقراطية، والمساواة، فيا قائد سفينة ستبقى واحداً من الذين يحفظ التاريخ اسمائهم ما بقي الدهر، وما بقي الزمان..