وكأنه لا يكفي ترك "حبل" إقفال المؤسسات مرخياً على "جرّار" الأزمة النقدية، حتى تأتي الإجراءات المصرفية لتعرقل إمكانية فتح أي شركة جديدة. فتماشياً مع سياستها "إبعُد" عن قبول أي زبون جديد و"غنيله"، تمتنع الكثير من المصارف عن فتح الحسابات الإلزامية للشركات والمؤسسات التي تنوي المباشرة بالعمل والانتاج.
معاناة قطاع الأعمال مع المصارف تطورت من احتجاز الودائع وعدم فتح الإعتمادات وفرض العمولات وتقطير المستحقات، إلى قطع دابر الإستثمار وإمكانية خلق فرص عمل جديدة.
لا فتح لحسابات جديدة
هذا الواقع ينسحب على ما جرى مع رجل الأعمال ورئيس مجلس إدارة شركة FXGROW العالمية حسن مازح. حيث رفضت 5 مصارف فتح حساب لشركة يعمل على تأسيسها، كانت قد حازت على ترخيص كأول شركة في لبنان تعمل بـ"التكنولوجيا المالية"، أو كما يعرف بـ"Fintech". عدا عن أن هذه الشركات تعتبر أهم مستحدثات هذا العصر، فهي تندرج من ضمن الشركة الناشئة "startup company"، سريعة النمو. ميزتها إنها لا تحتاج إلى مواد أولية مستوردة، وتساهم بالتوظيف وإدخال العملة الصعبة إلى البلد. وبحسب مازح الممتعض من طريقة التعاطي، فان "لا حل أمامه إلا بتأسيس هذه الشركة خارج لبنان. خصوصاً أن القوانين التجارية المحلية تمنع إنشاء شركة من دون فتح حساب مصرفي ووضع فيه ما قيمته 5 ملايين ليرة لبنانية".
ما حصل مع حسن مازح، يتكرر مع عشرات رجال الأعمال. فالمستثمرون، أجانب كانوا أم لبنانيين مغتربين، يرون في لبنان فرصة ذهبية لإنشاء بعض الأنواع من الأعمال. وتحديداً في مجال الـcall center وأنظمة المعلوماتية، وتطوير البرامج والإبتكار. وذلك بالنظر إلى تمتع الشباب اللبناني بطاقات كبيرة في هذه المجالات، وتراجع الأكلاف التشغيلية التي تتصل بالأجور والإيجارات والمعاملات الإدارية. لكن "رياح" البنوك "الهوجاء" سارت بما لا تشتهي "سفن" رواد الأعمال. فامتناع الكثير من المصارف مثل بيبلوس، بيروت والبلاد العربية، فينيسيا، الإعتماد اللبناني، بلوم، وميد بنك... وغيرها عن فتح الحسابات، يلغي شرطاً أساسياً من قانون التجارة، حيث تفرض المادة 85 من هذا القانون "على المؤسسين أن يودعوا المبالغ المدفوعة من المكتتبين (رأس المال)، قبل تأسيس الشركة بوجه نهائي في أحد المصارف العاملة في لبنان، بشكل حساب مفتوح باسم الشركة قيد التأسيس، مع جدول المكتتبين والمبلغ المدفوع من كل منهم".
مصدر نقمة
عملية فتح الحسابات التي كانت في الماضي القريب مصدر نعمة للمصارف، "تحولت مع التعميم 580 الصادر عن مصرف لبنان في 25 شباط 2021 إلى نقمة"، بحسب خبير المخاطر المصرفية وبناء القدرات، محمد فحيلي. "فهذا التعميم يجبر المصارف على إيداع ما يوازي نسبة 100 في المئة من قيمة الأموال الجديدة بالعملة الأجنبية نقداً لديه، أو لدى مراسليه في الخارج في حساب حر من أي التزامات". وعليه فان "المصرف لا يستفيد بشيء من أي حساب جديد يفتح لديه"، بحسب فحيلي. "بل على العكس فان الحسابات الجديدة تزيد من أعبائه وترتب عليه التزامات مادية، أصبح مضطراً لاقتطاعها من خلال رفع العمولات بطريقة خيالية".
أمّا في ما خص فتح الحسابات الجديدة بالليرة اللبنانية، فهي لا تلائم المصرف أيضاً، خصوصاً ان "القيمة الحقيقية أو الفعلية لليرة غير معروفة"، من وجهة نظر فحيلي. و"أي عملية فتح حساب ستترافق مع طلبات سحب وتحويل وتوطين رواتب... ستخسّر المصرف أكثر مما تربحه". وبرأيه فان "سياسات مصرف لبنان منذ بدء الأزمة سدت كل منافذ "الهواء" عن المصارف، وبالتالي على القطاعات المنتجة من بعده". ما يزيد الأمور تعقيداً هو فرض "المركزي" سقوفاً على كميات السيولة التي تطلبها المصارف. وفي حال تخطي هذه السقوف يعمد "المركزي" إلى حسم الزيادة من شهادات الإيداع التي تملكها المصارف لديه، ويشطب جزءاً من الفوائد المستحقة للمصارف مقابل هذه الشهادات. هذا الواقع جعل المصارف تمتنع عن فتح الحسابات الجديدة، ورفع العمولة على كل ما يتعلق بتوطين الرواتب والسحوبات النقدية. أما أحد ابتكارات المصارف لمكافحة الطلب على السيولة وتجفيفها قدر المستطاع، فكان بعدم تعبئة الصرافات الآلية بالكمية اللازمة من الليرات اللبنانية، وإقفال هذه الصرافات بخزنات حديدية بعد الساعة 6 مساء وتحديداً في بيروت وطرابلس ومحيطهما. وبهذه الطريقة تتراجع سحوبات المودعين النقدية بالليرة، وتحافظ هي على مستوى جيد من الأرباح، ولو كان هذا على حساب المودعين وقطاعات الأعمال ونمو وتقدم الإقتصاد".
تعديل المادة 185
أمام هذا الواقع يعتبر المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن أن الحل يكون بواحد من أمرين: إما اقتراح قانون لتعديل المادة 185 من قانون التجارة، يلغي إلزامية فتح حساب مصرفي لإيداع رأس المال، ويستعاض عنه بامكانية إيداعه لدى كاتب عدل، أو في صندوق محكمة التجارة الخ... أو إصدار قرار من مصرف لبنان يطلب فيه من المصارف تسهيل فتح حسابات مخصصة لإيداع رساميل الشركات قيد التأسيس بالليرة اللبنانية حصراً. وذلك في حال تخوف المصرف من إمكانية فتح حساب بالدولار الاميركي وتحول الحساب الى عبء على المصرف.
في كلتا الحالتين يبدو أن الأفق أمام إنشاء الشركات الجديدة مقفل إلى أمدٍ غير محدد. فاقتراح قانون تعديل المادة 185 على أهميته، ممكن أن ينام طويلاً في أدراج المجلس النيابي ولا يأخذ طريقه، في هذا الجيل، إلى التصويت في الجلسة العامة.
أما في ما خص قرارات مصرف لبنان، فان التجربة تظهر إن "امتثال المصارف لتعاميمه منذ أواخر 2019 محزنة، مخزية ومخجلة"، بحسب فحيلي. فالمصارف لا تلتزم بالتعاميم التي لا تصب في مصلحتها. ولا يبدو أن هناك من طريقة فعالة لإلزامها. وهذا ما يمكن الإستدلال عليه بوضوح بكيفية تطبيقها أو تعاملها مع قانون الدولار الطالبي.