Advertise here

العزيمة صمود

11 آذار 2021 12:30:00 - آخر تحديث: 11 آذار 2021 14:50:10

عرفته تلميذاً مجاهداً، مجتهداً، مثابراً، وجريئاً، لا يستسلم ولا يضعف، رغم ضعف بنيته الجسديّة، وشلله، وعدم قدرته على المشي والحركة.

إنّه صديقي ياسر، صديقٌ صادقٌ، متّزنٌ  طموح. لا يتدخّل فيما لا يعنيه، ولا يتكلّم إلّا موزون الكلام. لطيف المعشر، محنّك ذكي. يقدّره معلموه ويحبّه أترابه في الصّف، وفي المدرسة.

عندما كان ياسر في الثالثة من عمره أصيب بحمّى شلّته عن الحركة وأقعدته، ما أعاقه عن السير والمشي، فلم يعد يقوى على الحركة كرفاقه في الصّف، وأخوته في البيت. بداية الأمر لم يتقبّل وضعه الصحّي، لكنّ إرادة أهله ودعمهم له جعلاه يتماشى والحالة الصحيّة الجديدة. 
لم يعاملوه مرّةً بشفقة ورأفة، بل بمحبةٍ وثقةٍ وعنفوان، ما ولّد عنده شخصيّةً متّزنة، حنونةً، ودودة، وعصاميّة مسؤولة. 

كبُر ياسر سنةً بعد سنة متابعاً دراسته، ومحصّلاً أعلى العلامات، ويترفّع من صف إلى آخر، ما جعله يحظى باحترام أهله، ومعلّميه، ورفاقه، وكلّ من عرَفه وعاشره. 

ياسر اليوم في الرابعة عشر من عمره، وهو في  الصف التّاسع أساسيّ، يحضّر لخوض امتحانات الشّهادة المتوسّطة، يرفض تسجيله مع ذوي الاحتياجات الخاصّة ليعفى من تقديم الامتحانات الرّسمية، لأنّه مصرٌ أن ينجح بجهده دون استعطاف من أحدٍ، لأنّ عقله نيّر، وقلبه كبير، وعزيمته قويّة، نظيف الهندام، ونظيف الكفّ. وهو محترَمٌ بين الناس ويحترِم الوقت. لا يضيّع لحظة من حياته سدى، وتراه ينكبّ على الدّرس والاهتمام لتأمين مستقبله، يعبّ المعلومات من الشرح عباً. لا يتقاعس عن واجب مدرسيٍ، أو دينيٍ، أو اجتماعيّ. 

في المناسبات الوطنيّة يرفع العلم اللّبناني، ويرفرف به منشداً النشيد الوطنيّ. وفي المناسبات المدرسيّة يُلقي الأناشيد والكلمات الإبداعيّة اللّائقة بالمناسب، ويصرّ أن يجرّوا كرسيه إلى المنبر. ياسر مبدع في الرسم والغناء وإلقاء الشّعر.  إنّه موهوب بالكتابة  النثريّة والشعريّة.
لا تسمعه مرّة يتأفّف من وضعه الجسديّ، بل هذا الأمر يزيده إصراراً واندفاعاً ومثابرةً واهتماماً. لقد حُرِم نعمة الحركة، لكنّه عوّض عنها بملكاتٍ وقدرات قلّ ما تجدها في فتى يافعٍ في مثل سنّه.
هو راضٍ بقدرهِ، وقانعٍ بما كُتِب له، مجابهاً كلّ الصّعاب، ومواجهاً كلّ تحديات الحياة. هو مصرٌ أن ينجح، ويتفوّق، ويتبوّأ أعلى المناصب. 
     
 شعاره دائماً، "في الإعاقة طاقة، ولا مستحيل تحت الشّمس".  بورك صديقي ياسر، فهو مثال الذوق، والأخلاق، والدراية، والأدب، والصّيت الحميد، والقلب الطيّب، واليد السمحاء المعطاءة، والطموح الذي لا  يُحدّ، والإرادة التي لا تُصدّ، والكبرياء الذي لا يُهزم. 

باركك الله يا ياسر، وحقّق الله أحلامك وأمانيك. إنّك مثالٌ يُحتذى وقدوةٌ تفتدى. منك تعلّمنا أن نكون أقوياء في وجه ما يعترضنا من صعوبات وملمّات. حماك الله ورعاك يا أغلى صديق، يا ياسر.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".