Advertise here

الطريق الشائك للعودة إلى الاتفاق النووي

11 آذار 2021 08:15:10 - آخر تحديث: 10 أيار 2021 15:04:40

لم تتأخر إدارة بايدن في تقييم بعض الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، والإعلان عن أولوياتها في إعادة إطلاق المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية للعودة إلى الاتفاق النووي وفي الانخراط في إنهاء الحرب في اليمن، والتوصل إلى حلٍ سياسي توافقي بمشاركة أطراف النزاع كافة. وعلى الرغم من أهمية هذين الملفين، تبقى السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة على ثوابتها الأساسية، وهي الحفاظ على تفوق إسرائيل وإبقائها الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، وتأمين خطوط إمدادات النفط إلى الأسواق العالمية، ولاسيما الدول الصناعية الكبرى، وكذلك حماية الحلفاء خصوصاً الشركاء الاستراتيجيين.
انعكست الأولويات التي حددتها إدارة بايدن، على نوعية فريق العمل الذي تم اختياره في مجلس الأمن القومي، وفي تولي المسؤوليات في المنطقة، لاسيما في الملف الإيراني وملف اليمن وسوريا والعراق. يمتلك هذا الفريق خبرات هامة في ملفات المنطقة العربية، والذين تولوا ملف إيران قد شاركوا في المفاوضات السابقة التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية عام 2015، ولديهم الرغبة والإرادة في العودة إلى هذا الاتفاق الذين يعتبرونه من الإنجازات الدبلوماسية المتعددة الأطراف لعهد باراك أوباما.
ولكن تبقى الاسئلة الآتية: هل الخيار الدبلوماسي الذي اعتمدته الولايات المتحدة الأميركية سيقود إلى طاولة المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية، وبالتالي العودة إلى التزام كافة الأطراف بأحكام الاتفاق النووي وملاحقه؟ وفي حال فشل هذا الخيار ما هي الخيارات البديلة المطروحة وهل يذهب الطرفان إلى الحرب؟
في الواقع، يعلن الطرفان عن رغبتهما بالعودة إلى الاتفاق ويضع كل فريق سقوفاً عالية من الشروط والشروط المضادة. ويمكن وصف ما يجري في مسار الطريق إلى المفاوضات بين الفريقين الأميركي والإيراني، إنها لعبة سياسية تسعى إلى امتلاك الأوراق، التي تعزز مواقع كل طرف على طاولة المفاوضات المرتقبة. ولكن يجب النظر أيضًا، إلى التعقيدات التي تحيط بهذه العملية وحدود اللعبة والقيود المحتملة لقدرات كل طرف، كما النظر إلى ما يتعلق بانعكاس مواقف الأطراف على مسار التفاوض بحد ذاته، وعلى الأوضاع الداخلية في كل من الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية والحسابات التي تتحكم بخيار التفاوض والعودة إلى أحكام الاتفاق.
تؤكد تجربة السنوات الماضية قدرة اللاعبين الفائقة في الجمهورية الإسلامية على صناعة الأوراق المؤثرة في المفاوضات، ولاسيما لعبة قدرتهم في الرهان على الوقت، والالتفاف على العقوبات، وكذلك الرهان على نتائج الانتخابات الأميركية، وهذا ما حصل في الانتخابات الأخيرة التي قادت بايدن إلى الرئاسة، وبالتالي، تبدلت قواعد اللعبة بأكملها إن لم نقل السياسات، وهذا ما جعل إيران في وضع لا يقارن مع الضغوطات التي تعرضت لها خصوصاً في الأشهر الأخيرة من ولاية دونالد ترامب.
الأوراق التي حاولت إيران امتلاكها حتى الساعة هي متعددة، ومنها: رفع مستوى التخصيب إلى 20?? فيما الاتفاق يحدد النسبة ب 3.65??، تشغيل أجهزة طرد جديدة مخالفة لنصوص الاتفاق، إصدار البرلمان الإيراني قانونًاً يقيد حركة مفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية، خصوصاً التفتيش المفاجئ والتفتيش لقواعد عسكرية مشبوهة. ومن أهم الأوراق التي سعت إيران إلى امتلاكها في الأيام الأخيرة، هي استخدام المسيّرات المفخخة في محاولة ضرب شركة آرامكو السعودية وميناء رأس تنورة، الذي يعتبر من أهم المرافئ السعودية التي تزود الاقتصاد العالمي بكميات تقدر ب 20?? من إجمالي مبيعات النفط في السوق الدولي. هذا التحدي الجديد في مسار الطريق إلى المفاوضات لا يعتبر تهديداً للأمن القومي للمملكة العربية السعودية فحسب، إنما رسالة من العيار القوي إلى إدارة بايدن، التي كغيرها من الإدارات الأميركية السابقة، تتعامل مع تأمين غمدادات النفط إلى الاقتصاد العالمي كهدف استراتيجي يرتبط بالأمن القومي الأميركي. لكن في المقابل، فإن رد فعل الإدارة الأميركية على هذا الاعتداء، كان في الإعلان عن استعدادها للدفاع عن المملكة كشريك استراتيجي، ودرس إتاحة السبل أمام المملكة لتطوير وسائلها الدفاعية. أما التصريحات الصادرة عن السفارة الأميركية في السعودية فقد نددت بالاعتداء وألقت بالمسؤولية على الحوثيين. مواقف الإدارة الأميركية من هذا التحدي الاستراتيجي جاءت على هذا المستوى من الدبلوماسية بهدف الحفاظ على المسار الديبلوماسي للعودة إلى المفاوضات، وطبعًا مع تأكيد البنتاغون "على الأهمية الاستراتجيه للوجود الأميركي في منطقة الخليج والاستمرار فيها بقوة". وقد جاءت تصريحات الجنرال ماكينزي مسؤول القيادة الوسطى حول المساعدة التي تلقتها السعودية لمواجهة التهديدات القائمة، لتؤكد أيضاً على خيار الإدارة الجديدة في الاستمرار بحماية الحلفاء الاستراتيجيين، وعدم الخلط بين هذا الخيار وسياسة ممارسة الضغوط لإنهاء حرب اليمن والتي تشكل كما ذكرنا أعلاه أولوية لإدارة جو بايدن.
من جهة ثانية وتماشياً مع القول إن حساب الحقل لا يلتقي أحياناً مع حساب البيدر، يظهر أن إدارة بايدن التي دفعت بالخيار الدبلوماسي على حساب الخيارات الأخرى، أخذت تدرك الآن أن الضغط على الحلفاء للتعامل بمرونة مع خيار إنهاء الحروب في المنطقة، واعتماد الدبلوماسية لعودة إيران إلى طاولة المفاوضات والعمل من جديد بالاتفاق النووي، ليس بالأمر السهل بغياب التقييم الواضح للأدوات الفعالة، ولمدى توفر الإرادة السياسية الحقيقية للعودة إلى طاولة المفاوضات للذين يمسكون بقرار الجمهورية الإسلامية. كما أخذت إدارة بايدن تدرك أيضًا، أن هذا الخيار، يواجه تعقيدات كبيرة قد تطيح بكل الأسس التي بني عليها، وأن التعامل بمرونة مع المطالب المتشددة للجمهورية الإسلامية لا يمكن تسويقه بسهولة داخل الولايات المتحدة الأميركية. ويجب أن لا نقلل من أهمية الدور الإسرائيلي المتمثل بمواقف نتنياهو في هذا المجال. هذا الأخير ينتظر الفرصة السانحة لتعطيل الجهود الدبلوماسية، وتعويم الخيارات العسكرية، التي لم يتوقف يومًا عن اعتبارها الخيار الأمثل للتخلص من البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي، عدم السماح لأي قوة اقليمية لا إيرانية ولا سعودية، بالتوصل إلى بناء برنامج نووي عسكري، وذلك لضمان استمرار تفوق إسرائيل في المنطقة.
على أي حال، نقاط الضعف في الموقف الأميركي متعددة، إن على صعيد التماسك الداخلي في هذا الخيار، أو على مستوى القدرة على تبني خيارات أخرى، لذلك تستخدم الجمهورية الإسلامية خبرتها للاستفادة من هذا الوضع إلى أقصى الحدود، وتستمر كالعادة في صناعة أوراق جديدة من شأنها تحسين مواقعها التفاوضية. لكن العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، لاسيما في قطاع النفط والذي حرم الخزانة الإيرانية من عائدات هامة من العملات الصعبة، تشكل أهم نقاط الضعف للجمهورية الإسلامية، لذلك تسعى الإدارة الأميركية الحالية للاستمرار بهذه العقوبات كونها تمثل أهم الأوراق بين يدي الدبلوماسية الأميركية لإخضاع إيران للشروط الأميركية. ومن غير المتوقع أن يجري التخلي عن هذه الورقة الثمينة، قبل انطلاق المفاوضات المباشرة والعودة إلى التزامات الجمهورية الإسلامية بنصوص الاتفاق، لاسيما الامور المتعلقة بنسبة التخصيب وإلغاء القانون المتعلق بتقييد حركة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
على أي حال، في ظل التصعيد القائم بين الطرفين ولعبة البحث عن أوراق التفاوض القوية، تبقى الخيارات البديلة للتفاوض محدودة للطرفين. فالاقتصاد الإيراني في أسوأ مراحله، واحتمال تحقيق الراديكاليين في غيران فوزاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تموز المقبل أمر متوقع، وكذلك حاجة إدارة بايدن لتحقيق اختراق دبلوماسي للعودة إلى الاتفاق النووي، أمر له شأن كبير في تحقيق إنجاز على المستوى الداخلي واستعادة أميركا هيبتها وتحسين صورتها على المستوى العالمي. لذلك، فإن عامل الوقت أمر مهم لإدارة بايدن على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث إن التوصل إلى تسوية مع الجمهورية الإسلامية يتيح لهذه الإدارة أيضاً، التفرغ لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين في جنوب شرق آسيا، والتي تعتبر أولوية الأولويات لإدارة بايدن.
وإذا كانت الخيارات محدودة لكل من الطرفين، فإن هذا الأمر لا يسقط إمكانية الذهاب إلى أسوأ الخيارات. وإذا سلمنا أن النوايا سليمة، وأن الأطراف الأوروبية تعمل بكافة محركاتها باتجاه العودة إلى التفاوض، فان المأزق الحالي يتوقف كما يبدو على من يبدأ بتقديم التنازلات، أو قبول الطرف الأميركي اعتماد خيار الخطوات والإجراءات المتزامنة، كما يتوقف أيضاً على كيفية التعامل الأميركي مع مسألة رفض الجمهورية الإسلامية لتوسيع دائرة الأطراف التي وقعت على الاتفاق في العام 2015، وكذلك رفضها المطلق للبحث في ملف الصواريخ البالستية ومسألة النفوذ الإيراني في المنطقة.
لذلك فالأسئلة المطروحة متعددة بمعنى: هل يتمكن الطرف الأوروبي من إحداث اختراق معين وتقريب وجهات النظر بين الفريقين؟ بغياب القدرة الأوروبية على فعل ذلك، هل تقدم إدارة بايدن على خطوة دبلوماسية جريئة كالموافقة مثلاً على التزامن في الإجراءات ؟ وهل بامكانها فصل الملف النووي عن ملفي الصواريخ البالستية والنفوذ الإيراني في المنطقة؟ وهل العلاقات بين الجمهوريين والديمقراطيين تتيح مثل هذا الخيار؟
ولنفترض أقدمت إدارة بايدن على فتح ثغرة هامة في مسار المفاوضات، هل تتعامل إيران بمسؤولية تجاه الخطوات الجرئية؟ أم تخضع لإملاءات الراديكاليين وتعتبر ذلك ضعفًا في أداء الإدارة الجديدة، فتستغل هذا "الضعف" وتستمر في المواقف المتشددة؟ وبالتالي يتعقد الموقف ويسقط الاتفاق برمته، وتذهب الأطراف كافة إلى خيارات التصعيد الميداني؟ المسار طويل ومعقد، ولعبة الإمساك بأوراق التفاوض ما زالت في بدايتها، وإقدام الطرف الأميركي على خطوات استثنائية، مقيد بالوضع الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين وبمواقف أطراف متعددة في المنطقة. أما الوسيط الأوروبي في المفاوضات فينطبق عليه قول المثل الشائع، العين بصيرة واليد قصيرة.