Advertise here

السلطة تعالج الأزمة النقدية بالأمن.. تجاوز المسببات الحقيقية

09 آذار 2021 16:39:46

تصرّ السلطات السياسية في لبنان على التعامل مع ملف الدولار من منطلق أمني بحت. تتّجه لمعالجة نتائج أزمة انفلات سوق الصرف بدلاً من معالجة مسبباته. فالسوق السوداء للدولار ليست وليدة مزاج التجار أو الصرافين، رغم ضلوع كثر منهم في جريمة التلاعب بسعر صرف الليرة، إنما هي وليدة الانهيار الاقتصادي والمصرفي والنقدي، الذي خلّفته سياسات الدولة بكافة مؤسساتها، ومن بينها السلطة النقدية الممثلة بمصرف لبنان.

ضرب السلطات السياسية والأمنية بيد من حديد في ملف الإتجار بالدولار يبدو كمن يضرب الهواء بالعصا. وطالما أن مصرف لبنان مستمر بطبع الليرات وضخّها في السوق لا يمكن لجم سعر الدولار عن الارتفاع. فالمبالغ التي ضخّها مصرف لبنان منذ مطلع العام 2020 وحتى اليوم تفوق 25 تريليون ليرة، من دون أن يقابلها أي إنتاج أو مداخيل أو تحاويل بالعملة الأجنبية. بمعنى أوضح: من دون أن يقابلها أي شيء.

وبصرف النظر عن الأسباب التقنية التي تدفع مصرف لبنان إلى طباعة الليرات بهذه الكميات الهائلة، وما إذا كانت تتعلّق بتمويل عجز الموازنة وتأمين رواتب القطاع العام، أو لسداد الودائع الدولارية المودعة لديه بالليرة، أو لأي سبب آخر، تبقى النتيجة هي الواقع. وتُختصر بأن أطنان الليرات التي تدخل لبنان شهرياً تساهم حتماً بارتفاع سعر صرف الدولار، وستبقى كذلك ما لم يتم البحث في حلول جذرية للأزمة الاقتصادية التي أحدثت الانهيار الكبير الحاصل اليوم.

قد تحدّ عمليات تعقّب التطبيقات الإلكترونية التي تعتمد تسعير الدولار في السوق السوداء وتعطيلها، من تسارع عملية تصاعد الدولار، لكونها سريعة التغيّر وتؤثر بشكل مباشر على حركة الدولار الآنية. لكن هذه الخطوة لن تفي بالغرض من دون شك. ولن تضبط محاولات إغلاق المنصات الإلكترونية وحتى توقيف صرّافين، عملية تصاعد الدولار أمام الليرة. لكن من المحتمل أن تنجح في إبطاء وتيرة الارتفاع.

علاج أمني لأزمة نقدية
تعتمد السلطات في لبنان أسلوباً استخباراتياً ساذجاً في التعامل مع أزمة نقدية كبيرة. وقد باشرت أجهزتها الأمنية بحملة مداهمات ليل أمس الإثنين لمراكز ومحال صرافين ومنازل وتجار يقومون بتداول الدولار في السوق السوداء. قامت بتوقيف عدد من المتورّطين بالتلاعب بالعملة الوطنية ومن المُشتبه بتورّطهم. صادرت مبالغ من الدولارات كانت بحوزتهم، وفق مصدر متابع، ومن المقرّر أن تستمر المداهمات خلال الأيام المقبلة على ان تشمل كافة المناطق اللبنانية.

هل ستدفع عملية المداهمات تلك، دولار السوق السوداء في الأيام المقبلة إلى التراجع؟ ربما قد تنجح بلجم تسارع تصاعد الدولار لساعات أو لأيام قليلة. فالمداهمات ستترك صداها بين تجار الشنطة والصرافين وغيرهم ممن يتاجرون بالدولار خلافاً لتعاميم مصرف لبنان، التي حدّدت سعر الصرف بالمنصة الإلكترونية. لكن في واقع الأمر لا أحد على الإطلاق يبيع ويشتري الدولار وفق سعر المنصة. فالتجار والمستوردون وحتى العائلات المتعاقدة مع عاملات أجنبيات وكذلك أهالي الطلاب في الخارج، وغيرهم من الفئات التي تشتري الدولارات بشكل دوري، تضطر لسداد ثمنه مهما كان، شرط تأمينه في أوانه. وتكمن الأزمة في عدم توافر الدولارات وليس في تسعيرها، فالطلب على الدولار كبير جداً وعرضه شبه معدوم. لا دولارات تدخل البلد سوى بضعة ملايين في الأسبوع، لا تتجاوز 25 مليون دولار عبر كافة مؤسسات التحويل المالي.

تجاوز المسببات الحقيقية
تناسى المجتمعون في بعبدا أمس الاثنين كافة مسببات الانهيار المالي والنقدي، وكافة العوامل الدافعة لسعر صرف الدولار قد يصل إلى الـ15 ألف ليرة وليس فقط إلى الـ10 آلاف ليرة. تجاوز المجتمعون مسؤولياتهم بعدم تشكيل حكومة حتى اللحظة، وإمعانهم في فساد مؤسسات الدولة وقطاعاتها، وهدرهم للمال العام بكافة أشكاله. كما لم يتطرّقوا إلى مسؤولية مصرف لبنان وحتى المصارف المُحتجزة لمليارات الدولارات من أموال المودعين، والتي تساهم بشكل أو بآخر بارتفاع سعر الصرف أيضاً، من خلال ممارساتها غير المختلفة عن تجار السوق السوداء. ثم ماذا عن الصرافين من الفئة "أ" المتورّطين ببيع الدولارات المدعومة من مصرف لبنان في السوق السوداء، وهي المخصّصة للتحويل إلى الخارج وفق سعر صرف المنصّة؟ أين أصبحت التحقيقات معهم؟
تجاوز المجتمعون في بعبدا كل تلك التجاوزات وقرروا سلوك المنحى الأمني لضبط سعر صرف الدولار. وهو السلوك الذي تم اعتماده منذ أشهر وأثبت فشله.

واليوم، نفذت القوى الأمنية دوريات على صرافين في أكثر من منطقة، وتم توقيف عدد منهم ولا تزال تعمل على ملاحقة آخرين، ما دفع بباقي الصرّافين إلى إغلاق محالهم اعتراضاً على الملاحقات، الأمر الذي قد يدفع بالدولار إلى مزيد من الارتفاع، في حال استمرار إغلاق الصرافين محالهم، بالنظر إلى استمرار الطلب على الدولار من قبل التجار والمستوردين.

هذا وكانت وزارة الاتصالات قد قامت أمس بحجب مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الإجتماعي تقوم بالإتجار بالدولار، وذلك إنفاذاً لقرار قضائي، في حين تعذّر عليها فنياً حجب التطبيقات والصفحات الموجودة على خدمة Google Play، وموقع Facebook وبقيا من دون حجب كامل لهما.