دخل الشارع في دوامة لم يعد بالإمكان الخروج منها. الحركة تصاعدية، لا بوادر لإمكانية لجمها أو وقفها عند حدود. الطبقة الحاكمة تظهر عجزاً هائلاً عن مواكبة التطورات. لا بوادر لتشكيل حكومة جديدة في ظل تصلب كل الأطراف على مواقفه، وفي ظل حروب التسريبات التي يتم التركيز عليها في اطار تقاذف المسؤوليات وتحميل القوى السياسية مسؤولية التعطيل لبعضها البعض.
وسط العجز عن تشكيل حكومة، جاء العجز الأساسي والذي يتجلى بحكومة تصريف الأعمال، والتي قبل إستقالة رئيسها كانت عاجزة أصلاً. أطلق رئيسها حسان دياب موقفاً لوح فيه بالإعتكاف، مشدداً على ضرورة تشكيل حكومة.
لم يمكن لهذا الموقف أن يطلق لو لم يكن لدى دياب معطيات وتوقعات حقيقية حول الصورة السوداوية التي سيقبل عليها لبنان على وقع التظاهرات في كل أنحاء البلاد، فهو لا يريد إلا الهروب من الواجهة، كي لا ينفجر الشارع بوجهه، خاصة أن لا بوادر على إطلاق للجم الشارع ولا للقيام بأي إجراءات من شأنها أن تنفس احتقان الناس.
هو يرفض رفع الدعم، ولا البحث بترشيده، وقد أبلغ حاكم مصرف بأن توجيهات الحكومة كسلطة تنفيذية ومن واجبته الإلتزام بتوجيهاته وسياساتها أن يستمر في سياسة دعم كل المواد، لأنه يعلم أن إعلان رفع الدعم يعني انفجاراً شعبياً لا يبقي ولا يذر، وتحليقاً هائلاً في أسعار السلع والمواد الضرورية.
عجز القوى السياسية عن انتاج حكومة، سيقابله عجز آخر أمام حركة الشارع، فلن يكون أي طرف قادر على ضبطه، ولا التحكم به، ولا حتى اختراقه، على الرغم من كل محاولات الإختراق التي حصلت في الأيام الماضية، إلا أن تلك الحركة ستكون عصية على الضبط أو التوجيه، في ظل الأوضاع القائمة، وفي وقت ظن كثر أنها فرصة للإستثمار في اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي لإستعادة الشرعية الشعبية، فإنه مخطئ إلى أقصى الحدود، لأن اللعبة تخرج من كل إطارها التقليدي.
لبنان مهدد بالفوضى، تلك رسالة واضحة أبلغت من قبل مسؤولين فرنسيين في اليومين الماضيين، من خلال إتصالات أجراها المستشار في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل بمختلف المسؤولين، مشدداً على ضرورة تشكيل حكومة، لأنها الفرصة الوحيدة لسحب فتيل التصعيد من الشارع، حتى الآن لا بوادر جديدة، ولكن الأكيد أن حركة ضغط الشارع يفترض بها أن تضع المسؤولين أمام مسؤولياتهم للمبادرة باتجاه الإتفاق على صيغة حكومية.