عناق العراق

08 آذار 2021 06:20:25

زيارة البابا للعراق، في الخامس من شهر آذار العام2021،  مؤشرٌ بالغ الدلالة على بلاد العراقَين المنكوبة، والمنكودة الحظ.

وجد الحَبر الأعظم أنّ العراق، أعظم البلدان مصيبة في هذه الأيام. خصّه بزيارةٍ تشبه الزيارة التي يخصّ بها الرجل العظيم واحداً من أبنائه تعرّض، ولا زال، لأعظم خسارة في تاريخه الحديث.

أراد سيادة الحَبر الأعظم، أن يبلسم جراح العراق، وأن يمسح على جبينه بكفّه الحنون، بعد الإمعان في تثقيله بالخطايا ما ينوف عن عشرين عاماً.

كان الكرسي الرسولي في الفاتيكان يراقبُ عن بُعد جميع المؤامرات التي ترصدت موطن الإبراهيمية القديم منذ العام 1980.

أكثر من أربعين عاماً مضت على تقلّب العراق في البركان. أكثر من أربعين عاماً، والعراق في أتون العذاب. خاض في جميع التجاريب. عانى "الربيع العربي"، قبل "الربيع العربي" بثلاثين عاماً.

سنونوتان صنعتا الربيع العربي في العراق، منذ أربعين عاماً: القطبان العالميّان. لأن سنونوة واحدة، ما كانت  لتصنع الربيع.

قطبان عالميّان خاطا للعراق خارطة الطريق في العام 1980. مهّدا له بعزل الشاه. ومهّدا له بالثورة على الشاه، واستدراج لاعبٍ جديد.

يعرف الكرسي الرسولي، في الفاتيكان، أنّ مأساة العراق اليوم ضاربة الجذور في ذلك التاريخ البعيد. يعرف أن ما جرى للعراق، كان خارطة الطريق إلى الخليج. إلى ما بعد بعد الخليج.

 يعرف الكرسي الرسولي أنّ مأساة العراق اليوم إنما هي من صنع شيطان، خلف الخليج. ولهذا ربما جاء يبلسم جراحه، ويمسح بكفّه الأبيض، جميع الدماء التي سالت، مثل "عراقين" من دم أسود.

"كتاب الجراح" في العراق، وفي الخليج، وما بعد بعد الخليج خطّه القطبان، بالحِبر السري، منذ العام ثمانين. كانا في العراق، وفي الخليج، مثل "راعي ضأن ثمانين". 

تناوب على العراق القاتل والقتيل. جاء الحَبر الأعظم، يشهد على أعظم جريمة في العصر. ينقي جراحه. يمسح بمائه على آثار الجراح في بلادٍ كانت مهاد الخليل وإبراهيم.

زيارة الحبر الأعظم قادماً من بلاد الغرب، كفارة الذنوب لما عاث به شياطينها منذ ما "قبل قبل" العام ثمانين.

 تقول يداه، على جبين العراقين: إن جميع الحروب من صنع شياطينها. إن جميع الجراح من نسلها. إن الأباطرة في القديم وفي الجديد، ما عرفوا الرحمة في تاريخهم. ما عرفوا غير الجريمة.

نزل الحبر الأعظم يبارك أرض العراقين. يجدّد دعوة إبراهيم. أراد "عناق العراق"، رحمةً للذين قضوا بعنف الغزاة في العام ثلاثة و ألفين. 

زيارة الرجل الرحوم كفارةٌ عن ذنوب الجناة الذين عاثوا فساداً في أمواه الخليج. أسالوا الدماء في البحار والأنهار، ووقفوا يسألون القتيل، لماذا عكّرت علينا ماء الخليج.

وقف "قيصر" من خلف البحار مندّداً، متوعداً: "يا أهل العراق، يا أهل الخليج، وما بعد بعد الخليج. سأعيد عليكم عصركم الحجري".

 وقف الحَبر الأعظم، يمسح الدموع من  عينَي "الطفل يسوع"، في مهاد السلام: بين العراقين والفرات والأردن. يملأ كفيه من أجران قانا، يحضّرالقدّاس في  القدس، ويجهش في "مناولة" المصلين: "ليطاني... ليطاني.."

عناق العراق، على أرض العراقين، عناقٌ لأبناء إبراهيم في طول البلاد وعرضها. يلوّح بيديه لشياطين قيصر: ماذا فعلتم هنا، على أرض القداسة. لماذا سرقتم سرير المسيح.

يعيد أهل العراقين على مسامع الحبر الأعظم. كل عذابات الأزيديات. كل عذابات السريان والكلدان وكنعان، والأشوريين. كل عذابات المسلمين على أرض بابل الحزينة، منذ دخول قيصر بخيله، يجرجر خلفه شياطينه. يجرجر خلفه، كل أفّاكٍ لعين. 

 يا أهل العراق، لا تشرحوا للحَبر الأعظم، مجازر قيصر في بلادكم. إنّه يعرف السر وأخفى. إنّه يعرف النفط وأخفى. إنّه يعرف القصة كلها: يعرف الأثر والمسير.


 أستاذ في الجامعة اللبنانية

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".