يخبرونك أنّه مَن سار على الدرب وصل،
لكن أحداً لا يخبرك بالقصّة الكاملة في وطني.
الحقيقة أنه من سار على الدرب تعثّر وسقط. تألّم ونهض. خُذِل ووقف. أتته لحظات يأسٍ فحارب،ثمّ مشى بعزيمة على أمل أن يصل به الدرب إلى الوطن الذي يحلم فيه له ولأبنائه...
ويبقى الظنّ... والظنّ بالله وحده ظنّ الخير...
وبما أننا والأشقاء في اليمن نتشابه بالآلام، والجوع، والانشقاق، والظلم، والقهر، والتدخلات... ويا ليتنا تشابهنا بما هو خيرٌ لنا ولأوطاننا، لذا أحببتُ أن نقرأ سوياً هذه الكلمات الموجعة لأديب اليمن الكبير، الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح، الذي نعى نفسه مبكراً، ونعى الوطن المجروح، في قصيدته "أعلنتُ اليأس"، شفاه الله وعافاه، والمثل للأوطان وشعوبها.
"أنا هالكٌ حتماً...
فما الداعي إلى تأجيل موتي.
جسدي يشيخُ
ومثله لغتي وصوتي
ذهبَ الذين أحبهم،
وفقدتُ أسئلتي ووقتي.
أنا سائرٌ وسط القبورِ
أفرُّ من صمتي... لصمتي...
أبكي...
فتضحكُ من بكائي
دورُ العبادةِ والملاهي،
وأمُدُّ كفّي للسماء
تقولُ: رفقاً يا إلهي
الخلقُ... كل الخلق... من بشرٍ،
ومن طيرٍ ومن شجرٍ...
تكاثر حزنهم، واليأسُ يأخذهم
صباحَ مساءَ... من آهٍ... لآه...
حاولتُ ألّا أرتدي... يأسي
وأبدوا مطمئناً بين أعدائي وصحبي...
لكنني لما رحلتُ إلى دواخلهم
عرفتُ بأنهم مثلي... وأن اليأس ينهشُ كل قلبِ...
أعلنتُ يأسي للجميع
وقلتُ إني لن أخبـي...
هذا زمانٌ للتعاسة والكآبة
لم يترك الشيطانُ فيهِ مساحةً للضوء
أو وقتاً لتذكار المحبةِ والصبابة...
أيّامهُ مغبرّةٌ... وسماؤُه مغبرّة...
ورياحه السوداء تعصف بالرؤوس العاليات...
وتزدري التاريخ... تهزأُ بالكتابة...
أنا ليس لي وطنٌ أفاخر باسمهِ،
وأقول حين أراه: فليحيا الوطن
وطني هو الكلماتُ والذكرى...
وبعضٌ من مرارات الشجنْ...
باعوه للمستثمرين وللّصوص وللحروبِ ومشت
على أشلائهِ زمرُ المناصبِ، والمذاهبِ، والفتن...
صنعاء، يا بيتاً قديماً
ساكناً في الروح... يا تاريخنا المجروح...
والمرسوم في وجه النوافذ والحجارة.
أخشى عليك من القريب، ودونما سببٍ
أخاف عليكِ منكِ... ومن صراعات الإمارة.." (منقولة)
أمّا في وطني، لم يعد الموت مرعباً
لأنّ الحياة أصبحت أشد رعباً بكثير.
في وطني، طالت المسرحية والعرض مستمر.
هاجر نصف المشاهدين، وجاع وافتقر البعض، وانتحر البعض، ومات البعض، والبعض في العناية، والبعض ينتظر. الدواء للشفاء والرزق الحلال، والبعض يتضرّع للّه أن يسيطر العقل والصواب،
والبعض يتعالى ويتكبّر، والبعض ينتظر استحقاقاً، والبعض ينتظر الحقيقة، ولم ينتهِ العرض بعد!!..
حمى اللّه لبنان وشعبه من طغيان المسؤول، وكلامه المعسول، وشرّه المعمول، وكيده المنقول، ويجيرنا من الأعظم!!..
حمى الله الأوطان وشعوبها من القهر والظلم...
أما أنت يا وطني، فيا ليتك تصرخ وتقول ما تريد...
ولا تسمح لكلٍ منا أن يقول هكذا الوطن يريد!!..