Advertise here

حزب الله يرضي عون: ينسى أميركا ويتهم السعودية بالتعطيل!

05 آذار 2021 07:20:55

هزيلة وهزلية هي السياسة في لبنان. لا حاجة لكثير عناء للكشف عن هزالها. ممارسوها مراهقون سياسيون، ومثلهم أصحاب السلطة. فهم يدمرون ما تبقى من دولة بلغت الحضيض، وما تبقى من تعقل سياسي. ويا ما تبادل المتسايسون التطاعن، كأنهم مهرجون سياسيون.

وأخطر ما نجح هؤلاء في تكريسه، هو التدمير الممنهج لأي ممارسة سياسية وتعقل سياسي. لقد حققوا قطيعة كاملة بينهم -ومعهم جمهورهم- وبين المنطق السياسي. فتراهم يقفزون من موقف إلى آخر، مراهنين على أن اللبنانيين بلا ذاكرة.

إننا اليوم في زمن خراب العقل السياسي في لبنان، بعد خراب الدولة وكل ما كان يرمز إليها، وتحويلها إلى خرائب.

حزب المواقف المتقلبة 
حتى أيام قليلة ماضية، كان حزب الله يحمّل مسؤولية تشكيل الحكومة للولايات المتحدة الأميركية والشروط التي تفرضها. وكان الهجوم مركز على إدارة دونالد ترامب، وتهديداتها بفرض عقوبات على سعد الحريري في حال تشكيله حكومة تضم وزراء من حزب الله. لكن في الأمس خرج نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، فلم يتهم الولايات المتحدة بتعطيل تشكيل الحكومة، بل اتهم المملكة العربية السعودية! وقال إن رفض السعودية تمثيل حزب الله في الحكومة هو الذي يمنع الحريري من تشكيلها.

تحول الاتهام من واشنطن إلى السعودية. والسبب الأساسي هو فرص التفاوض التي حظيت بها طهران مع واشنطن. وكذلك اللقاءات والاتصالات المباشرة وغير المباشرة التي تجري بين الطرفين، وبين الأميركيين والحوثيين في سلطنة عمان.

بين يوم وآخر، تغير موقف حزب الله. ترك أميركا وانتقل إلى السعودية. وقبل أيام، كان أمين عام حزب الله يحمّل ضمنياً مسؤولية عرقلة التشكيل لرئيس الجمهورية وتياره، ويتفهم مواقف الرئيس المكلف سعد الحريري. لكن الحاجة سرعان ما اقتضت الهجوم على الحريري والسعودية من خلفه. وهذا لسببين اثنين أساسيين: استقطاب الرئيس المكلف ولجمه أكثر فأكثر، وإرضاء التيار العوني.

فحزب الله، بعد نداء البطريرك الأخير من بكركي، ازدادت حاجته للتفاهم مع عون وباسيل، وصارت ماسة وضرورية. لذا صار لا بد من منح سلفة جديدة لعون وباسيل، حفاظاً على الغطاء المسيحي الضروري للسلاح. والسلفة هذه هي الهجوم على رئيس الحكومة المكلف.

بطولة عون
ويستمر الهزال والهزل السياسيان على مقالب ووجوه أخرى كثيرة. فرئيس الجمهورية غير مستعد إطلاقاً لتقديم أي تنازل، ولو احترق لبنان بأكمله. هو ليس من النوع الذي يرضخ للضغوط ولا للتظاهرات، ولا تعنيه مشاهد البؤس والانهيار في لبنان. وهو يعتز بذلك، ويعتبره بطولة.

ثمة من يقول: لو كان غير عون رئيساً للجمهورية، لدفعت الأوضاع الاقتصادية والتظاهرات الرئيس إلى تسوية جدية وسريعة لتشكيل حكومة. هذا المنطق لا يسري على عون. فصهره ورئيس تياره، ينسج على خطاه.

باسيل والحريري: زوجة وعشيقة
على الرغم من الضغوط التي يتعرض لها باسيل، يقيم على موقفه. ويطل بين أسبوع وآخر شارحاً طوال ساعة وجهة نظره وصوابية رأيه، اللذين لا ينطويان سوى على رغبته المستفحلة للوصول إلى القصر الجمهوري.

وهو من خلال صراع المواقع والمستشارين، يتمسك بما يريده حكومياً. يتبارز مع الرئيس المكلف على من يخطب ودّ حزب الله أكثر. وهو يقول في مجالسه: الحريري صار قريباً من حزب الله أكثر مني.

إننا حيال مشهد من مشاهد صراع الزوجة مع العشيقة.

ولباسيل اهتمامات أخرى. أصبحت أولوياته انتخابية. قال قبل أيام إنه يركز جهوده تحضيراً لانتخابات العام 2022. ينهمك في استطلاعات الرأي. وهي تشير إلى تراجع كبير في شعبية التيار العوني في بيئته المسيحية: أصبحت حوالى 20 في المئة، مقابل 25 في المئة للقوات اللبنانية. وهناك حوالى 50 بالمئة لا تؤيدون أي طرف.

والاهتمام بالانتخابات يقضي على فرصة تشكيل الحكومة. وفي الحد الأدنى لو سمحت ظروف معينة بتشكيلها، فإنها لن تكون حكومة مهمة، ولا حكومة إصلاح، بل حكومة انتخابات. ولا يمكن لأي حكومة في العالم أن تأتي قبل موعد الانتخابات بأشهر، وتعمل على اتخاذ قرارات اقتصادية قاسية وغير شعبوية.

الحريري يتهم إيران
سعد الحريري على موقفه، ولن يتراجع. بعض المحيطين به يتوقعون اقتراب لحظة تراجع عون وباسيل، وعدم قدرتهما على الصمود. وتقدّم الحريري في موقفه مهاجماً حزب الله، ومتهماً إياه بتبعيته لإيران وتعطيل تشكيل الحكومة في انتظار المفاوضات. وهذا علماً أنه كان سابقاً يركز في تحميل المسؤولية لرئيس الجمهورية وصهره.

وهناك من يعتقد في لبنان أن لحظة تصعيد المواقف من الجهات كلها تعني اقتراب لحظة التسوية وعقد الاتفاق. قد يصيب ذلك وقد لا يصيب.

ولكن أكثر ما يختصر الهزل الهزال، هو ما يحكى عن مبادرة جديدة، تثبّت حكومة الـ18، بلا ثلث معطّل، مع اشتراط عون بالاحتفاظ بوزارة الداخلية. وهي وزارة يطالب بها عون لفتح ملفات لمدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان، لإحراج الحريري، باعتباره يتمسك بالداخلية ويرفض التنازل عنها، لحماية عثمان أو غيره.

وهي مبادرة تتحول إلى مناورة. وحتماً التمسك بالداخلية لا يحلّ المعضلة الحكومية.