دولة لا تؤمّن أدنى حقوق المواطن منذ سنوات، لن تتمكّن في ظلّ الأزمات من تأمينها. وفي دولة مثل لبنان يدفع المواطن الفاتورة مرّتين، وخير دليل على ذلك أن الكهرباء، غير المتوفرة أخيراً خصوصاً، تكاد تصبح من الكماليات. ناهيك عن فاتورة المياه التي يدفعها اللبناني 3 مرّات وليس مرّتين فقط! مياه الدولة الموجودة بالاسم وليس بالفعل، ومياه الصهاريج، ومياه للشرب.
فما الأسباب التي قد تدفع بالبلد، الذي كان يتغنّى بثروته المائية، للوصول إلى هنا؟
يقول الهيدروجيولوجي د. سمير زعاطيطي في حديثٍ لـ"الأنباء" الإلكترونيّة إنّ، "صخورنا مخازن كارستية"، أي أنّها كلسية ولها شكلٌ خارج الأرض تسمّى "شخاريب"، وفي باطن الأرض هناك مغاور وفراغات، ما يسمح بتخزين المياه بداخلها.
ويشرح زعاطيطي أنّ، "الأراضي اللبنانية ليست مناسبة لجريان المياه السطحية، فنسبة 75 في المئة من الأراضي هي كربوناتية قاسية ومشققة، تشكّل مخازن كارستية ذات نفاذية عالية لتسريب المياه. وبما أنّ الصخور في لبنان كارستيّة فمن الخطأ إنشاء سدود على سطحها لأنها تسرب المياه إلى داخلها. وبالتالي تكون السدود سياسة خاطئة 100 في المئة علمياً وأهدافها نهب الخزينة والأموال، ومراكمة الديون"، معتبراً أنّ "بعض الوزراء أتوا إلى وزارة الطاقة والمياه بفكرة واحدة وهي ليست تأمين المياه للمواطنين إنّما السرقة. ولو أنّه عُمل على إنشاء آبارٍ، كما تمّ العمل في جنوب لبنان مثلاً، لما كان تمكّن هؤلاء من تحصيل الأموال أو تشغيل الكسارات بكمياتٍ كبيرة، ولذلك لجأوا إلى السدود. والسدود الخمسة التي أنشئت حتى اليوم فاشلة".
إذاً السدود ليست الطريقة الأمثل لاستثمار ثرواتنا المائيّة بدليل أنّ المياه غير متوفّرة، وبيروت الكبرى وجبل لبنان مهدّدان بنقص حادٍ في المياه بحسب ما يقول المعنيّون، وهذا ما دفعهم إلى الاقتراض من البنك الدولي لإنشاء سدّ بسري. فما السبيل الأمثل للاستفادة من هذه الثروة؟
يجيب زعاطيطي: "منذ 55 عاماً حتى اليوم لا تزال نسب المتساقطات تتراوح بين الـ500 والـ1000 بحسب دراسة أجراها الدكتور وجدي نجم (الرسم البياني مرفق)، وذلك يعني أنّ كلّ حديث عن أنّ لبنان أمام تصحّر أو جفاف غير صحيح. وهذا لا يُلغي تأثّر لبنان بالاحتباس الحراري الذي أدّى إلى ارتفاع الحرارة بحوالى الدرجتين عن السابق". ويلفت زعاطيطي إلى أنّ "استثمار المياه الجوفيّة بدأ منذ العام 1985، وحتى اليوم لم يجفّ أو يتلوّث أيّ بئر، وهذا هو البديل لسياسة السدود الفاشلة والمكلفة والتي تدمّر البيئة".
إذاً، لبنان ليس بلداً فقيراً بالثروات، وليس بحاجة إلى سدود لحفظ المياه، جلّ ما هو بحاجة إليه أشخاص أكفاء يعملون علمياً، ولمصلحة الوطن والبيئة، ولخدمة المواطنين عوضاً عن ملء جيوبهم.