Advertise here

حضرة الرئيس كمال جنبلاط

16 آذار 2019 08:05:00 - آخر تحديث: 16 آذار 2019 09:23:54

مبكراً، صباح هذا اليوم، السبت 16 آذار 2019، صعدت إلى عتبة فراقك على ذلك المنعطف يوم الاربعاء 16 آذار 1977.

إثنتان وأربعون سنة؛ بالتمام والكمال، مضت على غيابك وكأنها الأمس الذي عبر.

واكاد أستعيد بذاكرة الفكر، والعين، ذلك الصباح في دار المختارة، وأنت في غرفتك ونافذتك المفتوحة على باسقات الصفصاف، والحور، والسنديان، مع قرصة البرد في عبق البخور المنتشر في الغرفة، ونور الشمعة المتحد مع الضياء الباكر.

في "الوجاق" بقايا من جمر الليل، يغطيها الرماد، ولا بد أن يحترق شيء لتوليد نعمة الدفء فتعبق نكهة الحطب المشتعل.

أتتذكر، يا حضرة الرئيس، ماذا كتبت في ذلك الصباح لافتتاحية جريدة "الأنباء"؟

سوف أعيد المقطع الأول، وكان عن برنامج الحركة الوطنية للإصلاح السياسي، لقد كتبت: "فليكن لنا جميعاً شيء من التواضع، فنقبل بأن نتبنى أفكار بعضنا البعض، وآراء بعضنا البعض، ونبتعد عن الحساسيات الشخصية (...).

ثمّ، وكأنك تأخذ نفساً عميقاً لتقول: "إن أرواح شهدائنا، ونضال أبطالنا، وآلام جرحانا سوف تقتص من كل من يتصرف على رأسه، وينصاع لحساسياته، ويرفض القبول بهذا البرنامج السياسي".

وتتابع:"... وبعد، فإن نصحنا فعن إخلاص، وعن رؤية واضحة للأمور، وإن أنذرنا فعن إخلاص، لاننا نرى الأشياء كما هي، ولا نرى الثعلب نمراً، ولا النمر ثعلباً، إنما الموضوعية هي التي تفرض علينا هذا القول، وهذا الموقف... والتجرد رائدنا... فليس لدينا في كل ذلك غاية شخصية، أو حزبية".

وتختم: "... رب أشهد أني بلّغت..."

ولن تتأخر ذلك اليوم (16 آذار 1977) عن مواعيدك التي اختصرت في موعد واحد، كان على ذلك المنعطف... وكنت مصمماً بكامل وعيك وإرادتك، على الذهاب إليه.

وكم كانت تلك المرأة الوديعة "إم منير" عفوية وكريمة وهي تسألك، عندما إقتربت من صاج الخبز المرقوق، إذا كنت تريد أن تخبز لك "طلامي" فتتوقف، والرغيف الملفوف بين أصابعك، وكأنك تشم عبق بركته، ثم تجيب:

"إعملي طلامي... فإن عدنا نأكل منها، وإن لم نعد، هناك من يأكلها..."!

كم كنت شفافاً في رؤيتك ورؤياك...

حضرة الرئيس...

هذا الصباح (اليوم السبت 16 آذار 2019) كأنه اليوم المستعاد (يوم الاربعاء 16 آذار 1977): طقس بارد. غيوم – أمطار خفيفة في بعض الأماكن بين بيروت والمختارة، وها هو الرمز التذكاري المحفورة عليه شهادة كمال جنبلاط ورفيقيه حافظ الغصيني، وفوزي شديد، على مسافة قصيرة من المدخل الغربي لبعقلين.

إثنتان وأربعون سنة على الذكرى.

غابت أجيال وقيادات، وولدت أجيال وقيادات، وتراكمت الاحداث، والمدونات، والذكريات، والخطب، وصور الشهداء، ولوائح الضحايا، والمعوقين.

وتناوب على القصر الجمهوري ثمانية رؤساء، وعلى السرايا عشرات الوزارات.

وإحتارت في وصفك الالسن، والاقلام: الإنسان – الفيلسوف – العالم – الشاعر – المتصوّف – السياسي – الثائر – المهادن – المسامح – المتسامح في أصعب الحالات، حتى حدود الصبر على التحدي - عالي الرأس – ناصع الجبين – بارق العينين – باسم الثغر – ندي اللفظ – نقي القلب – طاهر النفس – شاهق الرفعة بالشجاعة حتى الشهادة...

أمام الشاهد على غيابك أبحث عن زهرة "دويك الجبل" التي تحبها فأراها، بعد، عاجزة عن فتح ثغرها.

وأعود وأجمع بعض ما تفتح من زهر بري، فأكمل الطريق إلى المختارة لأضعها على عتبة ضريحك المقدس.

حضرة الرئيس

كل الاجيال التي عاصرتك في زمنك، وكل الاجيال التي قرأتك، وتقرأك، على الصورة، وعلى السمع... حاضرة في يومك هذا، 16 آذار 2019.

الرئيس وليد جنبلاط، والحفيد النائب تيمور جنبلاط، ومجلس قيادة الحزب، وقادة الحركة الوطنية الذين ما يزالون يقاومون، وجماهير من كل المدن والمناطق ترنو إليك، وعلى ذكراك تتلاقى وتجدد الوعد والعهد.